أصعب واشق أنواع الصحافة ما يطلق عليه"الصحافة الاستقصائية"التي كان يسميها رواد الصحافة أيام زمان بـ"الميدانية"، والتي تتطلب من الصحفي ان يتابع خيوط الموضوع ، ويقدم خفاياه وأسراره للقارئ.
يكتب توم روزنيستل في"عناصر الصحافة":"ان الالتزام أمام القارئ هو اكبر غرور مهني.. ولهذا على الصحافة ان تضع أمامها مهمة واحدة هي الولاء تجاه المواطنين".
يعتقد المواطن العراقي بأن الصحافة تحولت بعد 2003 إلى جهاز رقابة يتابع مؤسسات الدولة، ولكن، صدق او لا تصدق ان معظم مؤسسات الدولة والأحزاب والكتل السياسية تستنفر حين يدلي موظف صغير بتصريح لإحدى الصحف، حتى أن معظم الوزارات اصدرت"مشكورة" توجيهات بغلق الأبواب والنوافذ امام وسائل الإعلام، وعلى الصحفي حين يستخدم المعلومات أن يخفي نصفها حتى لا يتعرض الى مساءلة القانون، صدق او لا تصدق، لا يستطيع الصحفي مهما علت درجاته ان يدخل قاعة اجتماعات مجلس النواب او احدى غرف اجتماعات الكتل السياسية، المكان الوحيد الذي يجوز للصحفي أن يطل منه على أعمال المجلس هو قاعة وضعت فيها شاشات تلفاز يتفرج من خلالها على ما يجري في الداخل وأقصى ما يحصل عليه الصحفي بيان او تصريح مقتضب يقول:"اجتمعت الكتلة الفلانية، وطرحت المسألة الفلانية، وحضرها المسؤول المختص"، وكان الله عالما بالأسرار، والسبيل الوحيد الى ان يتصل الصحفي بأحد المسؤولين هو أن يسترضي مكتبه الإعلامي ويحلف أغلظ الإيمان بأنه لن يحرج السيد المسؤول بأسئلة مشاغبة، تكفي هذه الأمثلة لكي نسأل بعدها، أليست المسافة واسعة جدا بين الصحافة ومؤسسات الدولة؟! وإذا كانت الصحافة حقا جهاز مراقبة كما أراد لها الدستور، فكيف تمنع من مراقبة مؤسسات يملكها الشعب الذي تعد الصحافة جزءا من سلطته؟! كيف يعقل الإنسان ان يمنع المالك – ممثلا في صحافته – من تقصي معلومات عن أملاكه؟! وباي حق يشكو بعض الساسة من ان الصحافة لاتقف على الحياد، ولم تقدم المعلومات الصحيحة للناس. كيف بامكان الصحافة ان تقدم المعلومة وهي تجلس على قارعة الطريق؟!
في كتاب ظهر حديثا يتخيل الفرنسي موريس جولي لقاء في العالم الآخر بين منظر الاستبداد ميكافيللي، وصاحب روح القوانين مونتسكيو، في أحد فصول الكتاب الممتعة يوجه مونتسكيو سؤلا لميكافيللي عن موقفه من الصحافة، فيجيب: سوف أهاجم الصحف بوصفها مؤسسات اعلانية، سوف اخاطبها باللغة التالية: كان بمقدوري إلغاءك، لكني لم افعل، سأدعك حية بشرط ان لاتقومي بعرقلة مسيرتي وان لا تلاحقينني بالأسئلة".
في كثير من بلدان العالم المتقدمة لا يجرؤ مصدر مسؤول على التصريح بما ليس حقيقة ثابتة، ولا يسمح لنفسه بان ينشر ما ليس واثقا منه، وليس ذنب الصحافة عندنا أنها في مجتمع لم ينجح في إلزام مسؤولية بهذا السلوك إلى حد ان كلمة"تصريح"أصبحت مادة يتندر بها الناس في البيوت والمقاهي والطرقات. فما ذنب الصحافة حين تنقل عن مسؤول كبير ان عام 2013 سيشهد تصدير الكهرباء الى دول الجوار، ثم يظهر المسؤول نفسه بعد عام ليبشرنا بان ايران ستزود العراق بحاجته من الكهرباء.
ما ذنب الصحافة حين يصدر بيان رسمي يقول ان الفريق الركن مهدي الغراوي ومن معه سيقدمون الى محكمة عسكرية بسبب ماجرى في الموصل، ثم يظهر علينا الغراوي نفسه من على الفضائيات يسخر من الجميع.
ما ذنب الصحافة ان خرجت مانشيتات صحف اليوم تقول:ان عبعوب تمت إقالته، سيبتسم المواطن ويقول"حجي جرايد".. لان عبعوب تحول من أمين عاصمة، الى أمين عاصمة"تنفيذي".
أمينة بغداد
[post-views]
نشر في: 17 فبراير, 2015: 06:15 ص
جميع التعليقات 2
صادق العبیدي
المالکي وحزبه الدعوة سبب کل الدمار في العراق.
صادق العبیدي
المالکي وحزبه الدعوة سبب کل الدمار في العراق.