TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كيف تهرب من أسمك ؟

كيف تهرب من أسمك ؟

نشر في: 9 مارس, 2015: 03:14 ص

تنشر الصحف العراقية ومنذ شهور اعلانات مدفوعة الثمن تخص أناس بسطاء دفعتهم ظروف "الهوجة" الطائفية الى تغيير أسمائهم والهرب من ألقابهم والتخلي حتى عن أصولهم.. اسمحوا لي ان انقل لكم عينات صغيرة من هذه الاعلانات المخجلة وساذهب ابعد من ذلك واقول مخزية: "قدم.... طلبا يروم تبديل اسم ابنه من عمر الى مصطفى.."، "قدم المدعي.... طلبا يروم فيه تبديل لقبه من الحديثي الى اللامي"، "قدم المواطن..... دعواه القضائية لتبديل اسمه من عثمان الى رائد "، " قدم المواطن.... دعواه القضائية لتبديل لقبه من الموصلي الى النعيمي".
سيقول البعض لماذا تنسى أنّ داعش لم تمنح للمختلفين معها حق تغيير الاسم لان السكين كانت اسرع في حسم القضية، ولكن يا أعزائي عليكم ألاّ تنسوا أن داعش تنظيم ارهابي لايؤمن بحق الاختلاف، ونحن نظام سياسي له دستور كفل جميع الحريات الشخصية.
في موسوعته صعود وسقوط الرايخ الثالث يخبرنا وليام شيرر ان نظام هتلر كان يدعو الى صفاء الاسماء، هكذا كان يلقي الى المحرقة كل من لا يحمل اسما أريا وهكذا فعلت كل الانظمة الفاشية والتي كان اخرها داعش ونظرياته في الاصول والفروع لسكان المدن التي يستبيحها.
هل كنا نعتقد يوما ان هذا ما سوف يؤول إليه حال العراق الجديد بعد اثني عشر عاما من التغيير، خوف من الاسماء، توجس من الجيران وطمس للتراحم وحظر للاختلاف.
لماذا أصبح التطرف واقعا يريدون منا ان نعيش في ظله؟ مطلوب منا ان نتطرف في كل شيء.. مواطن طائفي بامتياز تتلفت حولك، تتوجس من جارك وصديقك.. وتخشى مصافحة الآخرين لأنهم لا ينتمون إلى طائفتك.. ألم يقل شكسبير في ريتشارد الثالث: احذر ان تمد يديك لغريب لئلا تتلوث، لذلك عليك أن تتخندق في مواجهة الجميع، عليك أن تخاف من جماعة عمر لانهم خاضوا صراعا قبل اربعة عشر قرنا مع جماعة علي، تحاف من الشيعي لأنه ميليشيا، ومن السُني لأنه قاعدة، وعندما يكتمل تطرفك وتتلبسك الطائفية، سيدفعك الساسة إلى الخوف من أقرب الناس إليك.
تتوالد وتتكاثر الأحقاد والضغائن في المناخات الملوّثة بوباء الطائفية والاستبداد. راجعوا معي خطب العديد من ساستنا الاخيرة وسترون، كيف تُخدع الناس بخطابات وشعارات أكثر فتكا بالبلاد من الطاعون.
تحرص الأنظمة الطائفية على بث صور الخوف. ما من منفذ اخر غير الاحتماء بالطائفة. الدروب مغلقة، وطريق النجاة يكلفك اسمك، والاعلانات اقصر الطرق للفرار من المذبحة. ومنذ سنوات فهمت داعش جدوى اللعبة الطائفية، فلم تكلف نفسها شيئا آخر. سوى تدقيق الهويات واصدار الاوامر بالحرق على طريقة هوليوود.
يتنقّل الخائف، من اسم الى اخر ومن طائفة الى طائفة تحميه.
اليوم يراد منا ان نعيش في عصر الهرب من جلودنا.. آسفون، ليس لدينا عرض آخر.. غير ان تستبدلوا عمر بجواد وتهربوا من كل شيء يربطكم بالموصل، ولايهم حتى التنكر للملا عثمان الموصلي.
اعلانات تغيير الاسماء نزهة جديدة في ارض يراد لها ان تكون عدما.. الاقتصاد عدم، فرص الامن والامان عدم، المستقبل عدم.
ايها السادة يامن تريدون لنا ان ننزع اسماءنا لقد مللنا الخطب المفزّعة حديث المصالحة كلمات التوازن والاستقرار والوعود والاكاذيب الناس تريد امان وعمل، وشارع لايوقفك فيه ملثم يقول "ما اسمك".
لم يعد في العراق أشياء تثير الحزن، لكن أعلانات الاسماء في ظل ظلام الطائفية، شيء يستحق الأسى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. ام رشا

    أستاذ علي طبعا شئ مؤلم واتحفك بما وصل اليه الفكر المتخلف إذ ان احد الشباب ويدعى عثمان وصل إلى أمريكا كلجوء واستقبله صديقه صديق العمر في المطار وهو من طائفة أخرى وقام له بواجب الاستقبال بأحسن وجه الا انه طلب منه ان يناديه باسم اخر غير عثمان أمام أصدقائه ل

  2. عراقي

    الاخ علي حسين المحترم تحياتي العراق بلد المفارقات ،التناقضات ،ليس الاسماء والألقاب وحدها تبدلت بل حتى في مجال السياسه ،يوما اصبح الشيوعي بعثيا ،وعاد مرة اخرى ليكون شيوعيا ،مرة اخرى تنكر لحزب الدعوه الذي كان يطلق عليه ( العميل ) واليوم هو من حزب الدعوة

  3. ام رشا

    أستاذ علي طبعا شئ مؤلم واتحفك بما وصل اليه الفكر المتخلف إذ ان احد الشباب ويدعى عثمان وصل إلى أمريكا كلجوء واستقبله صديقه صديق العمر في المطار وهو من طائفة أخرى وقام له بواجب الاستقبال بأحسن وجه الا انه طلب منه ان يناديه باسم اخر غير عثمان أمام أصدقائه ل

  4. عراقي

    الاخ علي حسين المحترم تحياتي العراق بلد المفارقات ،التناقضات ،ليس الاسماء والألقاب وحدها تبدلت بل حتى في مجال السياسه ،يوما اصبح الشيوعي بعثيا ،وعاد مرة اخرى ليكون شيوعيا ،مرة اخرى تنكر لحزب الدعوه الذي كان يطلق عليه ( العميل ) واليوم هو من حزب الدعوة

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram