TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مفهوم الصورة: اتصال أم تواصُل؟

مفهوم الصورة: اتصال أم تواصُل؟

نشر في: 12 يونيو, 2015: 09:01 م

في ما سُمي بثورات الربيع العربيّ، استُخدمت الصورة الثابتة والمتحرّكة على نطاق واسع، وثبتَ يقيناً بأنها كانت فاعلة في ملامسة المتلقين. كانت عنصراً حرّك الملايين، بغض النظر عن طبيعة موضوعها، وبعيداً عن التحايل واسع النطاق في توظيفها. كانت الصورة قادرة أكثر من غيرها على إحداث اتصال أو تواصُل فاعل سريع.
لو بحثنا اليوم في المعاجم عن دلالة المفردة (communication) لوجدنا أنها تقترح بديلين هما الاتصال والتواصُل. كلاهما يتناوبان الحضور في الأدبيات العربية كلما تعلق الأمر بالصورة. تُعتبر الصورة إحدى الأدوات لخلق علاقة مع طرف آخر، التفاعُل معه، ونقل رسالة صريحة أو مُضْمَرة، مفهومية أو جمالية، من بين أشياء جوهرية أخرى. التواصل عبر الصورة عملية تفاعلية يشترك فيها المُرسِل والمتلقي كما هو معروف. لكن الصورة خطاب من نوع بَصَريّ يستوجب، مثل كل خطاب، الوعي بالموضوع الجاري الاتصال بشأنه، ومعرفة دقائقه بل تقبُّل الطبيعة المجازية له أحياناً كثيرة، ووعي إمكانية التعمية على الخطاب وصولاً إلى حقيقة ما أو إلى إرساء تدليس ما.
لعل نموذج (شانون وويفر) المعروف بشأن عملية التواصُل، يستجلب الصورة إلى الذهن مباشرة، وهو يتلخص بأن "المُرْسِل يُرْسِل، بفضل التشفير، رسالة إلى المتلقي الذي يقوم بفكّ التشفير في سياق مضطرب بالضوضاء"، أي مزدحم بإمكانات التشويش والجلبة والزلات (لابسوس). في العالم العربي بقي تشفير الصورة في نطاق أوليّ، وأحياناً ساذج، وظلّ المتلقي يَرْكن إلى لا وعيه بالأحرى عند فك التشفير، وليس إلى الوعي بآليات خطاب الصورة المعقّد. من هنا سرعة الاعتقاد بظاهر الرسائل التي تنقلها الصور، وليس التمعّن ببواطنها ولا بالمستوى الثاني الأعمق فيها، وهذا هو الذي يُراد بالضبط توطينه في ضمائر المتلقين. في الاستخدامات الشعبية للصورة، عبر وسائط التواصل الاجتماعيّ مثلاً، تكشف برامج معالجة الصور علناً عن المستوى الثاني الذي يشتغل بخفاءٍ ومكر في الوسائط الأخرى. بإمكان الاستخدامات الشعبية وضع صورة هتلر بشواربه المعروفة جوار أيّ شخصية أخرى بشوارب مماثلة، أو صورة البغدادي بعمامته السوداء جوار صورة السيد حسن نصر الله بعمامته السوداء، من أجل نقل رسالة صريحة (نقبلها أو نرفضها)، وهو ما تفعله بالتمام الاستخدامات البصيرة العارفة بالصورة في وسائط أخرى. في وقائع الربيع العربيّ تجلّى لنا نموذجان للصورة، الأول يضعها في نطاق الإعلام، والآخر في نطاق الإعلان. وشتان بين (الإعلام) و(الإعلان) رغم النقاط المشتركة بينهما.
ونحسب أن هناك فارقاً مُرْهفاً بين المفردتين العربيتين (اتصال) و(تواصُل)، لعله من طبيعة الفارق بين (الإعلان) و(الإعلام). فالاتصال يبدو وكأنه محض عملية آلية بين مُرْسل ومتلقٍ: إعلاناً، بينما يبدو الثاني وكأنه عملية تفاهم وحوار بينهما من دون شرط الاتفاق بالضرورة: إعلاماً.
في الميديا العربية، الخلط على أشدّه بين الإعلان والإعلام، والاتصال والتواصُل، ففي حين أنها تزعم أنها تحترف الإعلام المركَّب الذي يقوم بتقليب الوقائع من زوايا نظر مختلفة بحثاً عن الحقيقة، فإنها لا تفعل، تحت هذا الادعاء العظيم، سوى بنقل وجهات نظر محسوبة. إنها تستدعي وجهة النظر المُخالِفة من أجل تسفيهها فحسب وطردها. وفي حين تدعي بأنها في صلب عملية التواصل الذي يتطلب الحوار الحميم والسجال، يتحول الأخير إلى معارك صاخبة تُغيِّب الحقيقة، وإنْ سمحت باتصال محسوب للصوت الآخر مع المتلقين.
يساهم صحفيون ومثقفون عرب معروفون في صناعة هذا التخليط. وهي نقطة لا يتوجب قط إغفالها اليوم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. سهام الخيار

    اريد العلاقة بين صورة وتواصل من مثلا اموجي حزين فيبلغ لنا الحزن اريد هدا ضروري. Pliiiiiz

  2. Malak

    من الممكن ان تعملو موضوع عن العلاقة بين الصورة والتواصل مثل الاموجي حزين

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram