TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الصورة أم موت الصورة؟

الصورة أم موت الصورة؟

نشر في: 24 يوليو, 2015: 09:01 م

(2-2)

 

أشرنا أن الصورة في العالم الرقميّ، يمكن أن تنتقل من مفهوم (تمثيل) الواقع بإخلاص حتى لو كان تمثيلاً جماليّاً فرديّاً، إلى (تحطيم هذا التمثيل)، تَجاوُزه، مجاوَرته، عدم تمثيله من أجل خلق عالمها. هذا هو الواقع الافتراضيّ.
فلو أننا رأينا اليوم في صورةٍ افتراضية بشراً طائرين دون أن يوحي لنا الأمر بأنه يتعلق بمخيَّلة متعمّدة، وأنها من (الواقعية) بمكان، ملمساً وهيئاتٍ وفضاءً، فإننا لا نُقِيْم بعد في عالم التمثيل التقليديّ، في التصوير الفوتوغرافيّ وفي كلّ من الرسم الواقعيّ والفنتازيّ والسورياليّ. ففي أنماط التمثيل الفنتازيّ والسورياليّ نعرف جميعاً، ونتفق جميعاً على أعراف و(لعبة) الفنتازيا والتخييل الخارق للعادة. الصورة الافتراضية تريد أن تقول لك إنها ليست في الفنتازيا ولا في المُخيّلة، بل في عالم واقعيّ.
وإذنِ فإننا ننتقل خطوة من (تمثيل واقع) ما إلى (خلق واقع) ما. وهذه الخطوة ليست بالأمر الهيّن، رغم أن الجميع قد اعتاد اليوم على هذا الواقع المخلوق الافتراضيّ.
ليست خطوة بل قطيعة حقيقية في تاريخ الفن، وقد قارنها بعضهم بالانتقالات العظمى في تاريخ المنجزات البشرية كظهور الأبجدية واكتشاف المطبعة. ليس لأنها فقط تخلق عوالم جديدة وتوحي لنا بواقعيتها، وإنما أيضاَ لاختلاف دور المتلقي بشكل متعاظم. فالعالم الافتراضيّ للصورة (وعموم العالم الرقميّ) لن يتخذ بُعْده الفاعل ومعناه إلا عبر المساهمات الشخصية الحميمة للمتلقين الذين يساهمون بخلقه وبتطويره في آنٍ واحد. نحن نعيش الصورة من الداخل وليس الخارج، وضمن مرجعية الداخل: الشبكة العنكبوتية، وهنا تذوب الصور بالمحيط الجديد ذوباناً وتتشكّل عبر بالمشاهدين الذين يساهمون بوجودها وصناعتها. لا يمكن تقريبا فصل جميع العناصر التي نتحدث عنها هنا.
لكن هذه القطيعة في التمثيل، قد أنتجت وترافقت مع قطيعة معرفية (أبستيمولوجية) قادت إليها الممارسة الرقمية. نتطلّع حولنا ونحن أمام شاشة الكومبيوتر، فنُدرك على الفور أن معرفتنا بالعالم والفضاء والزمن والآخر قد تغيّرت تماماً.
يَذْكر مُفكّر كنديّ بما معناه أن سيولة الفضاء الافتراضيّ تجبرنا على الذهاب إلى مفهوم السيولة السوسيولوجية لهذا العالم الافتراضي حيث تُعبِّر الأخيرة عن نفسها، من بين أشياء أخرى، بانطفاء ديمومة الأدوار الاجتماعية على النيت. ويَذْكر إن أدوار القراء والمؤلفين لم تعد ثابتة، لأنهم يذوبون مع بعضهم، وينطلقون بحرية حسب الوقائع والحوادث وخيار (الإبحار) الشخصيّ. والشيء ذاته فيما يتعلق بأدوار الفنانين والمشاهدين التي تتداخل مع بعضها أثناء التفاعل الراهن مع الأعمال الفنية.
بسرعة استخدم العرب مفردة (الإبحار) التي وجدوا فيها استعارة دقيقة للحرية والتواصُل مع محيط كبير، لكن قلة منهم من وجد فيها تعبيراً عن سيولة سوسيولوجية، أي تفكيك للأدوار والوظائف الراسخة المقررة للأفراد والجامعات وفوارق السنّ والطوائف والطبقات والأعراق والجندرة، وخاصة تفكيك ومساءلة الأيديولوجيات، ومنها أيديولوجيا القمع والتقسيم الاجتماعي. بعبارة دقيقة: إذا كان مفهوم التمثيل التقليديّ قد تمّ تجاوزه في الفنّ الرقميّ بالفعل، فإن سيطرة التمثيل الاجتماعيّ والسياسيّ قد تمَّتْ مساءلتها أيضاً.
من هنا خوف السلطات العربية من الصورة في العالم الافتراضيّ الذي يمكن أن يُهدّد سيطرتها، رغم افتراضيته، ومن هنا تلاعبها واسع النطاق بالصورة وتدليسها، رغم زعمها أنها تستند في خطابها إلى صور ليست افتراضية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: من يحاسب ضباط الداخلية ؟

قناطر: الزبير والمُستزْبِرون

التحدي الوجودي للمشرق العربي

هل تعد واشنطن لاتصالات سرية مع إيران؟

قناديل: خسر كوبولا ملايينه. هل ربح نفسه؟

العمود الثامن: من يحاسب ضباط الداخلية ؟

 علي حسين قالوا في تسويغ جريمة تعذيب وقتل المهندس بشير خالد، إنها حادثة طبيعية، مجرد شجار بين السجناء ادى الى نهاية حياة مواطن بوحشية، وطالبتنا وزارة الداخلية بان نكون مع الصادقين، وان لا...
علي حسين

قناديل: خسر كوبولا ملايينه. هل ربح نفسه؟

 لطفية الدليمي لم أصدّق نفسي بادئ الأمر. فرنسيس فورد كوبولا، صانعُ الروائع السينمائية (العرّاب) و (القيامة الآن) و(المحادثة) تتوّجُهُ الأكاديمية السينمائية الأشهر في العالم على رأس قائمة الأفلام الأسوأ صناعة. هكذا رأى أقطاب...
لطفية الدليمي

قناطر: الزبير والمُستزْبِرون

طالب عبد العزيز أثارت دعاوى بعض النوّاب والشخصيات الاجتماعية من (المستزبرين) الخاصة بجعل قضاء الزبير محافظة ردود أفعال رسمية شعبية كبيرة، خلال الأسبوعين الماضيين، ودافع عنها البعض على المستويين الرسمي والشعبي، واستنكرها غالبيةُ البصريين...
طالب عبد العزيز

التحدي الوجودي للمشرق العربي

فراس ناجي تواجه دول ومجتمعات المشرق العربي تحدياً وجودياً عبر حالة التوحش اللاإنساني في استعمال القوة لفرض إرادة المشروع الاستيطاني الصهيوني التوسعي بالتزامن مع انهيار مبادئ النظام الدولي وشلل مؤسساته المعنية بتطبيق هذه المبادئ....
فراس ناجي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram