اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عاصفة اللجوء وتوابعها

عاصفة اللجوء وتوابعها

نشر في: 4 سبتمبر, 2015: 06:01 م

عاصفة اللجوء إلى البلدان الأوروبية استقبلتها في هذه البلدان عاصفة من الترحيب من جانب الشعوب وبعض حكوماتها، وبخاصة ألمانيا والنمسا. وفي بلداننا أثار الموقف الإنساني الأوروبي عاصفة من الإعجاب بأخلاق الأوروبيين والنقمة على أخلاق مجتمعاتنا وحكوماتنا العربية والاسلامية التي لم تبال بمحنة اللاجئين السوريين والعراقيين والليبين وسواهم.
الذين عاشوا في أوروبا يعرفون أن لا غرابة في الأمر، وان الغرابة كانت ستكون لو أن شعوب أوروبا وحكوماتها قد اتخذت موقفا نقيضاً، ففي مجتمعات يحنو فيها الناس على القطط والكلاب والعصافير كما تحنو الأم على وليدها ما كان يمكن لها إلا أن تشعر بالصدمة والاستفزاز وتتزلزل ضمائرها وأنفسها، وإلا أن تُظهر كل التفهم لمحنة اللاجئين.
الحسّ الانساني العالي راسخ الجذور في المجتمعات المتحضرة من اليابان الى الأميركيتين. ومنذ مئة وثلاثين سنة عبّر الشيخ محمد عبدة (1849 – 1905) عن ذلك بقوله إنه وجد الإسلام في فرنسا التي ليس فيها مسلمون، فيما خلّف وراءه، في مصر وسائر بلاد الاسلام، مسلمين من دون إسلام.
في أوروبا وسائر البلدان المتحضرة يتجذّر الحسّ الانساني المرهف منذ الطفولة المبكرة. في البيت لا يعيش الطفل مع العنف الأسري المتواصل والمتفاقم كما هي حال أطفالنا، وفي الحارة والشارع لا يرى الطفل المشاهد المعتادة في حاراتنا وشوارعنا من خناقات وتشاتم وتنابز بالألقاب والاسماء بين الناس ومعاملة قاسية للحيوانات. وفي المدرسة لا يتعلم التلاميذ ما اعتدنا نحن واباؤنا واجدادنا على تعلّمه في دروس التاريخ والدين (أو التربية الاسلامية) من تشجيع على القسوة وتحريض على العنف. وفي الكنيسة لا يسمع مرتادوها الخطب المكفّرة والمحرضة على القتل والسبي، بل يستمعون الى العظات التي تحث على المغفرة والتسامح. وعبر وسائل الإعلام لا تُعرض على الجمهور مشاهد قطع رقاب البشر وشيّهم معلّقين كما الطرائد، وإغراقهم أو إحراقهم مقيّدين داخل الأقفاص، لأن هذا مما يمس بقواعد المهنة وأخلاقياتها.
أعجبتكم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وهي تبكي من أجل اللاجئيين السوريين والعراقيين؟ أحببتم الألمان والنمساويين وهم يتظاهرون ضد حرس الحدود في بلديهما لأنه حاول إعاقة دخول اللاجئين الى هذين البلدين؟ قدّرتم للمواطنين الأوربيين وهم يتسابقون لتوفير الخيم والملابس والأغذية للاجئين؟.. نحن أيضاً يمكن ان نكون مثلهم، وبلداننا يمكن أن تكون مثل بلدانهم غير طاردة لمواطنيها وفاتحة أذرعها لضحايا الكوارث الطبيعية والمحن السياسية.. نعم يمكن لنا أن نكون كذلك إذا ما أعدنا النظر جذرياً في نظامنا السياسي المتوحش، وفي نظامنا الاجتماعي المتخلف، وفي مناهجنا التعليمية البائدة، وفي نظامنا الاعلامي الخارج على اخلاقيات المهنة، وفي نظامنا الديني الذي يفسّر النصوص تفسيراً متوحشاً يحضّ على الكراهية والعسف حيال الآخر المختلف، بل حتى حيال أبناء الدين الإسلامي أنفسهم!
هذا بطبيعة الحال يتطلب ثورة مخملية يشعل فتيلها المثقفون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. د عادل على

    السؤال هو لمادا لا يستقر اللاجئون السوريون فى تركيا التى تفتخر بحكومتها الاسلاميه وشعبها نقل الرساله الاسلاميه الى قلب النمسا----المفروض ان الشعب التركى المسلم ان يكون من اهل الرحمه والشفقه ويرحب بالاطفال والنساء والشيوخ المسلمين السوريين الهاربين من جحيم

  2. خليلو...

    لا يمكن ،في بلادنا ، التفكير في إصلاح ديني لإفتقارنا إلى أدواته كما حصلت يوما ما في أوروپا إذن البديل نظام سياسي مدني لا سلطان للكهنوت عليه يسمح للدين أن يمارس الطقوس العبادية بكل حرية أما قضايا المعاملات فتخضع لمقتضيات العصر فإن كل النصوص المتناولة للقض

  3. أبو أثير

    شاهدت مشهد اللاجئين العراقيين والسوريين في الخارج في الدول ألأوربية الكافرة وأقيسها بما شاهدت من النازحين العراقيين من الشيوخ والنساء والأطفال والمرضى وهم على عتبة جسر بزيبز في الرمادي وكيف تحاصرهم قوات الشرطة وسوات وتمنعهم من العبور للوصول الى بر ألأمان

  4. علاء البياتي

    أؤيد ما ورد بمقالك ..لكنني اود ان اضيف له شى واحد ...لو رجعنا ودرسنا التاريخ منذ بدايه الدعوة الاسلاميه حتى سنة 1300 للهجره ماذا نشاهد ان المجتمع الاسلامي ...او ان الاسلام هو الديانه الوحيده التي لم تلغي الاديان والمعتقدات الاخرى عكس اوربا المتسامحه حيث ا

يحدث الآن

القبض على عشرات المتسولين والمخالفين لشروط الإقامة في بغداد

لهذا السبب.. بايدن غاضب من صديقه اوباما 

في أي مركز سيلعب مبابي في ريال مدريد؟ أنشيلوتي يجيب

وزارة التربية: غداً إعلان نتائج السادس الإعدادي

التعليم تعلن فتح استمارة نقل الطلبة الوافدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram