في الوقت الذي تعيش فيه الدولة العراقية اقسى فترات التقشف وتبذل مساعي جبارة لاعادة هيكلة الانفاق الحكومي، يتم الحديث عن تشكيل عسكري جديد، تحت مسمى (الحرس الوطني) من شأنه اضافة التزام مالي على ذمة دولة مثقلة بالديون ومهددة بالافلاس.
هنا يتساءل البعض، هل من المصادفة ان يتم اعادة طرح هكذا قانون اشكالي تختلف الكتل السياسية على الكثير من بنوده؟ وهل من المصادفة ايضا ان تتم اعادة المشهد السياسي الى مناخ التجاذبات المحاصصاتية، في وقت نشهد تصاعد مطالبات الاصلاح من قبل شارع ملتهب ومرجعية غاضبة؟!
قد لا نجد تفسيرا واضحا ولا اجابة شافية عن كل هذه الاسئلة سوى محاولة اطراف، داخلية واخرى خارجية، اربكتها حركة الشارع المطالب بـ"اصلاحاته الخاصة"، لخلط الاوراق وجر العبادي وحكومته الى مربع الاتفاقات السياسية، رغماً عن محاولاته للافلات منها والتماهي مع الحدود الدنيا من مطالبات الشعب / المرجعية الدينية.
ولو ابتعدنا عن الخوض بالنوايا والتفاصيل التي يكمن فيها شيطان عمليتنا السياسية، فان مشروع "الحرس الوطني" شهد نضجاً واضحا منذ تاريخ طرحه ضمن "الورقة الوطنية" التي شكلت اساسا لحكومة العبادي الحالية. فاغلب المتابعين يتذكر النسخة التي تم تسريبها، قبل نحو عام، لمسودة قانون مكون من 8 فقرات في 4 صفحات فقط، وتتضمن مبادئ فضفاضة لما يسمى بـ"الحرس الوطني".
الا ان الجدل السياسي حول هذا المشروع، والمعطيات التي فرضتها تطورات الاوضاع الامنية في تكريت وديالى وجنوب بغداد وبروز قوة متماسكة ومنظمة كـ"الحشد الشعبي"، جعلتنا حاليا امام مشروع قانون يتألف من 22 فقرة بتفريعاتها.
يبدو ان مخاض "الحرس الوطني" وصل الى لحظة حساسة تتعلق بهويته والغاية من تأسيسه. وهنا تتكشف رؤيتان، احداهما تصر على تشكيل "جيوش محلية"، ولن نقول طائفية، واخرى تريد ان يتحول "الحرس الوطني" الى عامل لتعزيز قوة المؤسسات الاتحادية كالجيش والشرطة والمخابرات وغيرها من التشكيلات ذات الطابع الامني.
وخلافا للعنوان "الوطني" الذي يسوق تحته هذا المشروع، فان اصحاب الرؤية الاولى يسعون لتأسيس قوة عسكرية تعالج الامن في محافظات ذات طابع طائفي وسياسي معين. وهذا ما يعارض الاسباب الموجبة لتشريع القانون الذي من المفترض ان يعالج اشكالية راهنة بما يراعي المصالح والمفاسد على المدى البعيد.
هذه الرؤية تستمد قوتها من مقاربة اميركية تعلق مواجهة داعش على تأسيس قوة محلية لغرض محدد وهو تحرير الارض وامساكها لاحقا. ويتناسى اصحاب هذه المقاربة ان هذه الارض، التي خرجت عن سيطرة الدولة العراقية، كانت خاضعة اصلا لحماية قوة مكونة من آلاف المنتسبين من ابناء هذه المناطق، المنخرطين ضمن قطاعات الجيش والشرطة والاجهزة الامنية الاخرى. لكن هذه القوة لم تمنع من سقوط الموصل في 2014، وعجزت عن حماية الرمادي من السقوط في 2015، فكيف يراد لها مواجهة "المحتل" بعد الخراب العظيم الذي لحق باهالي تلك المناطق.
ولو افترضنا ان "الحرس الوطني" بات امرا واقعا، فان الجدل الذي يدور حول "مركزية" او "محلية" هذا التشكيل، وحدود مهامه، واصرار بعض الاطراف على مطالبها، يعزز المخاوف من تأسيس جيوش طائفية في مناطق تميزت بحساسية التوازنات الاثنو/طائفية فيها.
اطراف عدة تتحدث عن هواجس من ان يكون الحرس الوطني بداية لمشروع تقسيمي بدفع اطراف اقليمية شاركت بتأجيج حرائق المنطقة في سوريا واليمن ومصر وليبيا، وقبلها في العراق. ويبرز هنا موقف زعيم ائتلاف الوطنية اياد علاوي بشكل لافت خارجا عن سياق الاستقطاب السياسي والطائفي.
لكن مع كل هذه المخاوف المشروعة، فهناك فرصة متاحة لان يكون "الحرس الوطني" مساحة للالتقاء وليس للخصومة والتوتر بين العراقيين، رغم انه يفرض التزامات مالية على الدولة، ويضيف ترهلاً جديداً الى هيكل المؤسسة الامنية المترهل اصلا.
ان المطلوب لانجاح مشروع "الحرس الوطني"، هو اخراجه من الاستقطاب السياسي وابعاده عن اي رؤية غير عراقية، من خلال تكثيف المشاورات لتجاوز العقبات القليلة التي تعترض طريقه.
بالامكان ان يكون "الحرس الوطني" خطوة جادة لاطلاق عملية اصلاحات واسعة في اجهزة الامن لا سيما الجيش وقوى الامن الداخلي اللذين تم تشكيلهما على اسس مشوهة لا تحمل رؤية عراقية خالصة لطبيعة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهنا.
لو توفرت النوايا الصادقة، لا اقول الوطنية، فبالامكان تحويل التحديات الى محركات حقيقية لاخراج الدولة العراقية من ازماتها المزمنة.
على هامش "الحرس الوطني"
[post-views]
نشر في: 12 سبتمبر, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
بغداد ترحب بـ"هدنة لبنان" والفصائل ترفض وقف التصعيد وتهدد واشنطن
تقرير امريكي يتحدث عن "السيناريو الأسوأ": جر العراق إلى "عين العاصفة الإقليمية"
المالية النيابية: تعديل الموازنة الاتحادية يفتح المجال لتغيير فقرات غير فعّالة
فرنسا تشهد أول محاكمة لدواعش من رعاياها اعتدوا على إيزيديين
مجلس الخدمة الاتحادي: نحتاج لأكثر من 5 مليارات دولار شهرياً لتمويل رواتب الموظفين
الأكثر قراءة
الرأي
الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!
رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...