TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ثمن حرية الميليشيات

ثمن حرية الميليشيات

نشر في: 12 سبتمبر, 2015: 09:01 م

عملية خطف العمال الأتراك في بغداد، ثم نشوب نزاع مسلح بين جماعة مسلحة وقوة أمنية كانت تسعى لاقتفاء أثر الخاطفين، وأخيرا بثّ شريط فيديو تعلن فيه جماعة مسلحة، تعمل باسم "فرق الموت"، المسؤولية عن خطف العمال وشروطها لإطلاق سراحهم.. هذا كله يقدّم دليلاً جديداً على أن للميليشيات (الجماعات أو المنظمات المسلحة خارج نطاق الدولة) وجوداً حقيقياً في حياتنا ودولتنا.
نعم هذه الميليشيات موجودة، ولا ينفي هذا الوجود أو يخفف منه أنها تسعى الآن إلى التستر بأردية الحشد الشعبي، فوجودها سابق لوجود الحشد الشعبي وسابق لنشوء الظروف التي أوجدت الحشد الشعبي، وشوارع المدن وساحاتها تنطق بهذا الوجود على نحو واضح وصارخ منذ سنوات.
وجود الميليشيات يتعارض مع وجود الدولة في كل مكان وزمان. لا توجد الميليشيات إلا في غياب الدولة أو ضعفها الشديد، وبينما تستند الدولة إلى القانون والنظام تقوم الميليشيات على غياب القانون والنظام وتغييبهما، بل ان لكل ميليشيا قوانينها وأنظمتها وقيادتها المختلفة. وكما لا تتورع الميليشيات عن القيام بالأعمال المنافية للقانون والنظام، فإنها لا تتردد عن استخدام الدين والمذهب لأغراضها، وهي أغراض سياسية في الغالب، وهذا ما حصل أخيراً على خلفية اختطاف العمال الأتراك، فالخاطفون سعوا لنسبة أنفسهم الى الإمام الحسين بن علي (أتباع الإمام الحسين)، وهذا ما أثار حفيظة المرجعية الدينية في النجف التي أصدرت بياناً استنكرت فيه الزجّ باسم الإمام الحسين في هذه العملية الخارجة على القانون، مؤكدة أن "التعرّض لأولئك الأبرياء الذين لا دور لهم في أحداث المنطقة ومآسيها عملٌ غير أخلاقي وعلى خلاف الضوابط الشرعية والقانونية وهو مدان ومستنكر جداً"، ومطالبة بـإطلاق سراحهم "والكفّ عن هذه الممارسات التي تسيء الى صورة الدين الاسلامي الحنيف ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) وتؤدي الى اسقاط هيبة الدولة واضعاف الحكومة المنتخبة". أكثر من هذا أن المرجعية حضّت الحكومة والقوى السياسية كافة على "مساندة القوى الأمنية، وأن تعمل ما بوسعها لوضع حدّ لجميع الممارسات الخارجة عن القانون التي تخلّ بالأمن والاستقرار في البلد". وبطبيعة الحال فان هذا الخطاب يضع على نحو جليّ الميليشيات في خانة المنظمات الخارجة على القانون.
في الشارع ثمة خوف غير خفي من الميليشيات، وهذا يصبّ في خانة داعش الذي يسعى لإدامة حال القلق والخوف والريبة، ويؤثر سلباً في عزيمة القوى العسكرية والأمنية على الصمود في وجه داعش والتصدي له وملاحقته، والمفروض أن يتركز جهد الدولة على تقوية قواتها المسلحة لمواجهة خطر داعش وسائر التهديدات التي يواجهها الأمن الوطني وسيادة الدولة.
حصول عملية أخرى من نوع العملية التي طالت العمال الأتراك في بغداد سيوجّه رسالة إلى كل الشركات الأجنبية العاملة في البلاد بأنها يمكن أن تكون الهدف التالي للميليشيات المتروكة لشأنها.. هذه حال لا ينبغي أن تكون بأي شكل أو صورة أو صيغة، لأن الثمن الذي سندفعه سيكون مكلفاً للغاية في دولة ومجتمع لم يعد في طاقتهما تحمّل أي كلفة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram