هي دعوة طيبة ولا شك، لتشجيع الشباب على الابتكار والانخراط في مواجهة واحد من الخطرين الأعظم اللذين نواجههما الآن، هو خطر الإرهاب الذي يفتك بأرواحنا.. الخطر الآخر هو بالطبع الفساد الإداري والمالي الذي يبطش بصحتنا وتعليمنا وتنميتنا وحقنا في العمل والسكن، ويُعين الارهاب في الفتك بأرواحنا وممتلكاتنا.
ما أعنيه الدعوة التي أطلقها رئيس الوزراء السبت في مؤتمر منظمة (TEDx) ببغداد، مشجعاً إياهم على تقديم الافكار الجديدة النافعة للمجتمع. السيد العبادي حضّ الشباب على وجه الخصوص على "تطوير الأفكار لمواجهة مشكلة الكشف عن المتفجرات"، مشيراً إلى ان الأجهزة من هذا النوع المتوفرة الآن "عالية التكلفة ولا يمكن نشرها في كل مكان"، بعدما أصبحنا دولة لا تقوى على تأمين قوت عيالها.. الكلمات الأخيرة لم يقلها بلسانه، لكنه لابدّ أن يكون قد فكّر بها مثل سائر الذين استمعوا إلى خطابه في المؤتمر.
النوايا الطيبة وحدها لا تحقق شيئاً، ودعوة السيد العبادي ليس في وسعها بلوغ غايتها من دون أن تحقق الشروط اللازمة.
أهم هذه الشروط البيئة المناسبة للإبداع والابتكار.. لنترك الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية جانباً، مع انها مؤثرة للغاية.. أين المختبرات والورش التي يستطيع الشباب اختبار أفكارهم فيها؟ وأين المعامل التي ستنتج الأجهزة المطلوبة؟ ومن أين للشباب العاطل عن العمل والقابع تحت خطوط الفقر والحرمان والبؤس واليأس وفقدان الأمل أن يتفرغ للتفكير والتدبير؟
الفساد الإداري والمالي الذي اكتسحنا على مدى عشر سنين متصلة على النحو الذي يضرب فيه التسونامي الخلجان والشطآن، برضا وقبول أعلى المراجع في الدولة والطبقة السياسية المتنفذة، أو في أفضل الأحوال، غضّ النظر من جانبهم.. هذا الفساد لم يتسبب فقط في عقد صفقات اشتريت بموجبها بعشرات الملايين من الدولارات أجهزة الكشف عن كرات الغولف على أنها للكشف عن المتفجرات، بل زاد على ذلك بسرقة مليارات الدولارت في المئات من الصفقات المثيلة والمشاريع الوهمية، فلم يبق للدولة المستحوذة على كل شيء ما تستطيع به تأمين لقمة الخبز ناهيكم عن عن أجهزة الكشف عن المتفجرات. فمن يدفع للشباب مستحقاتهم إن هم نجحوا في تحويل أفكارهم الى أجهزة تكشف عن المتفجرات بحق وحقيق؟
لا شيء يتحقق بالنوايا الطيبة وحدها.. ودعوة السيد العبادي ستظل صرخة خفيفة في واد سحيق، إن هو لم يعزم ويحزم في أمر الإصلاحات التي اقترحها ووعد بتنفيذها. وأول الاصلاحات المطلوبة فتح جبهة حرب حقيقية مع الفساد ابتداءً برؤوسه الكبيرة المتنفذة في الدولة. والأول مكرر من الإصلاحات المطلوبة، شنّ حرب مماثلة على نظام المحاصصة، حاضنة الفساد الإداري والمالي ومفرخة الفاسدين والمفسدين.
بهذا فقط سيمكن للسيد العبادي اجتذاب الشباب وسواهم للإبداع والابتكار في مجال أجهزة الكشف عن المتفجرات وسائر المجالات المتصلة بمكافحة الارهاب ومواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي لا عدّ لها ولا حصر.
صرخة في واد سحيق
[post-views]
نشر في: 20 سبتمبر, 2015: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
بغداد ترحب بـ"هدنة لبنان" والفصائل ترفض وقف التصعيد وتهدد واشنطن
تقرير امريكي يتحدث عن "السيناريو الأسوأ": جر العراق إلى "عين العاصفة الإقليمية"
المالية النيابية: تعديل الموازنة الاتحادية يفتح المجال لتغيير فقرات غير فعّالة
فرنسا تشهد أول محاكمة لدواعش من رعاياها اعتدوا على إيزيديين
مجلس الخدمة الاتحادي: نحتاج لأكثر من 5 مليارات دولار شهرياً لتمويل رواتب الموظفين
الأكثر قراءة
الرأي
الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!
رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
جميع التعليقات 4
د عادل على
من تاسيس الدولة العراقيه والى 8 شباط 1963 كانت الرشوة والفساد كلمتان اجنبيتان ولم تكن موجودتين فى القاموس العراقى او بالاحرى كانتا نادرتين ا -----من استلم الحكم فى العراق فى 8 شباط 1963؟؟؟كلنا نعرف ان البعث سيطر على كل الدوائر والمؤسسات الحكوميه وغير
بغداد
عندما قرأت مقالك يا استاذ عدنان الذي اشرت ما قاله العبادي للشباب عن بذل جهودهم لأكتشاف اجهزة تكشف المتفجرات وهو يعلل السبب لأن خزينة العراق المالية ما تتحمل شراء اجهزة متفجرات لغلاء ثمنها؟ هههههههههههه نفس ما قالته ماري انطوانيت للشعب الفرنسي بابة ماكو خ
ناظم حكمت
تحياتي لك استاذي العزيز سأبتدئ من عبارتك أين المختبرات والورش التي يستطيع الشباب اختبار أفكارهم فيها؟ لأضيف وهل نمتلك البنية التحتية للاختراع والبحث العلمي ؟ الجواب بالتأكيد كلا. البنية التحتية للبحث العلمي تشمل بالإضافة الى المختبرات والورش والمكتبا
نبيل يونس دمان
اذا لم يخرج العبادي من عباءة الدين( اقصد المسيس) فلا امل يرتجى وهذا يشمل من يخلف العبادي مستقبلا.