اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نذور اكتبها في الخريف

نذور اكتبها في الخريف

نشر في: 3 أكتوبر, 2015: 09:01 م

بما يشبه الفرض او النذر، أكتب كل سنة في الخريف شيئا عن النخيل. انه ليس مجرد حنين للماضي يوم كنت ابدأ يومي بفتح النافذة لاستنشاق صباحات العذوق والسعف حول منزل الطفولة بالبصرة. ولا لمحض أن "إخوان الصفا" اعتبروا النخلة "إنسانا" بمقاربة داروينية مبكرة، او أن صديقا كان يتفاخر أمامي بأن في وسعه رؤية آثار أقدام جده على الجذع، ويجعلني أتفحص ساق الشجرة باحثا عن آثار أقدام الآلهة العراقية التي كتبت الأساطير اثناء تتحسسها رائحة السعف والعذوق، حين يكون الجذع مجرد معبر للآلهة.
النخلة "أقرب إلى الإنسان" كما سجل إخوان الصفا في رسائلهم، حين تحدثوا عن سلّم الكائنات الحية بكلام يشبه ما سيقوله دارون لاحقا. فهي"النبات الوحيد الذي يموت حين تقطع رأسه، كالإنسان". الجذع يحفظ آثار أقدام العراقيين منذ الأزل، وهم يصعدون نحو "العذوق والشراميخ" متفننين برعاية "الطلع والحبابوك والجمري (بالجيم الفارسية)" ثم"الخلال والرطب والتمر".
هو لم يكن مجرد جذع بقدر ما كان "ممرا للآلهة" التي خلقت العالم القديم، ثم تسلقته وكتبت الأساطير "في العلى".لقد كان الاجداد يغنون بلا توقف وهم يتسلقونها بفرح، أما هذه الأيام فنشاهد "الصاعود" صامتا وهو معلق بين الأرض والسماء، وفي أُذنه سماعة مربوطة بالنقال تبث أغنية أو نشيدا دينيا، وربما أخبارا عن تناحر الطوائف، او صوت سياسي احمق يدعو للثأر الخائب، وشيئا لا يحب النخيل سماعه.وفضلا عن صمته فإن آلة تسلق الجذع، "التبلية" أو "الفروند"، لم تعد أنيقة كما في السابق. هي اليوم مجرد سلك معدني بلا روح، يشد قطعة قماش متهرئة، كما شاهدتها في حقول النهروان واليوسفية. أما في الماضي فكان "الفروند" تحفة فنية، ورأيته يصنع في أبي الخصيب من ألياف جوز الهند والحبال المستخدمة في السفن، بعروتين من الخشب المنحوت بعناية.سنظل نتذكر بحزن كيف أتيح لنا ولآبائنا ان ننصت بين الغابات، للهجات الطيور الملونة، ونتفقد مسارات الأنهار، ونحصي أنواع النبات البري وسط غابات النخيل، يوم كانت تحيط بمدننا تلك الحقول التي سحرت مؤلفي الأساطير والشعراء وناسخي مباحث المعتزلة والنحويين ومبدعي علم البصريات والخلفاء والعساكر والغزاة.إنني أكتب فرض الخريف منذ خمسة اعوام، وأعيد بصياغة اخرى، ما سجلته العام الفائت، بلغة الاعتذار لروح الطبيعة التي خذلناها.ان النخلة، وآثار أقدام سلالاتنا العراقية على جذعها، خارطة لما تبقى من اصالة هذه الأرض وآمالها. وهي إذ كانت شبيه الانسان عند إخوان الصفا، فهي أيضا "آخر العراقيين العظماء".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram