ما من عاقل في هذي البلاد وخارجها يفكّر بأن الإصلاح المطلوب شعبياً، أو المطروح حكومياً وبرلمانياً، يمكن تحقيقه في أسابيع أو أشهر، ذلك أن الخراب عميم والدمار تام وشامل، وهما كانا حصيلة سياسات خاطئة وخطايا ارتكبت عن سابق إصرار وتعمّد على مدى الإثنتي عشرة سنة الماضية، وقبلها بما يزيد عن ربع قرن أيضاً.
لكن لا يتعيّن أن تكون هذه الحقيقة حجة للإبطاء في عملية الإصلاح نفسها ولتأخير انطلاق هذه العملية. لابدّ من رؤية واضحة تماماً تحدد ساعة الانطلاق والساعة التقريبية للانتهاء منها، وبينهما الجدول الزمني المحدد لكل خطوة ومرحلة من خطوات ومراحل عملية الإصلاح، وتعيين الهدف المبتغى لكل خطوة ومرحلة.
التحدي الذي يواجه عملية الإصلاح التي يطالب بها الشعب وتعهدت الحكومة والبرلمان بانجازها، ليس فقط الوقت الطويل اللازم للانجاز، فأصعب وأعقد ما يعترضها هو رفض الطبقة السياسية المتنفّذة لها، وإن كانت هذه الطبقة تعلن وتعيد الإعلان بأنها مع الإصلاح، وهو أمر غير صحيح بالطبع، ذلك أن عملية الإصلاح تضرّ بالمصالح الشخصية والحزبية لهذه الطبقة السياسية المتنفذة، فالركنان الأساسيان لعملية الإصلاح هما مكافحة الفساد الإداري والمالي وإلغاء نظام المحاصصة، وكلاهما منبوذ ومكروه من هذه الطبقة.
الموقف الحقيقي للطبقة السياسية المتنفذة المناهض لعملية الإصلاح هو ما يعرقل وضع خطة سليمة وواقعية للإصلاح والانطلاق بها.. نعرف أن ضغوطا هائلة واجهها رئيس الوزراء ولم يزل في سبيل عدم البدء والمضي قدماً بعملية الإصلاح، ورئيس الوزراء ليس لديه خيارات كثيرة، أو بالأحرى انه محكوم بخيار واحد، فهو مثلاً ليس في مستطاعه استخدام الجيش والشرطة لفرض خطة الإصلاح، وهو ليس في مستطاعه أيضاً الدعوة إلى انتخابات مبكرة بأمل كسر المعادلة القائمة والخروج من المأزق الراهن، فلا الحزب الذي ينتمي إليه ولا كتلته، دولة القانون، ولا تحالفه الأوسع، التحالف الوطني، قادرة على تأمين الأغلبية اللازمة، وحتى لو كانت هذه الأغلبية مؤمنة فان العبادي محكوم بمعادلة صعبة أخرى هي أن نصف حزبه في الأقل ونصف كتلته ونصف تحالفه الأول، ضده وضد مشروعه الإصلاحي، بوصفهم جزءا من الطبقة السياسية المتنفذة.
الخيار المتبقي للعبادي، إذا كان يريد الإصلاح حقاً ويعمل له، هو خيار السيسي، نسبة الى وزير الدفاع المصري السابق (رئيس الجمهورية الحالي) عبد الفتاح السيسي. العبادي يتمتع بميزة أن الأغلبية الساحقة من الشعب تؤيد الإصلاحات، بل تريدها وتطالب بها، وإلى جانب هذا لديه دعم قوي من المرجعية الدينية في النجف. العبادي يمكنه التعويل على هذين العنصرين الحاسمين إلى أبعد الحدود في فرض برنامج الإصلاح.. بوسعه، كما فعل السيسي من قبل، أن يطلب من الناس النزول بكثافة إلى الشوارع والساحات لمطالبة مجلس النواب بتشريع القوانين اللازمة لتنفيذ خطتي الإصلاح اللتين طرحتهما الحكومة والبرلمان منذ شهرين، وفي هذه الحالة فان مرجعية النجف ستكون إلى جانبه وجانب الشعب.
بالإضافة إلى شجاعة اتخاذ القرار، يتطلب هذا الخيار من العبادي أن يكون صريحاً مع الشعب.. يكشف له حقيقة ما يجابه عملية الإصلاح من معوّقات بلغة واضحة ومباشرة من دون تورية وتلميح، فبهذا الأسلوب سيستطيع العبادي، مدعوما بتأييد الشعب والمرجعية الدينية، من إرغام الطبقة السياسية المتنفذة على القبول بما يتعيّن فعله لجهة مكافحة الفساد الإداري والمالي ولجهة إنهاء نظام المحاصصة، مصدر الشرور كلها.
العبادي وخيار السيسي
[post-views]
نشر في: 10 أكتوبر, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
بغداد ترحب بـ"هدنة لبنان" والفصائل ترفض وقف التصعيد وتهدد واشنطن
تقرير امريكي يتحدث عن "السيناريو الأسوأ": جر العراق إلى "عين العاصفة الإقليمية"
المالية النيابية: تعديل الموازنة الاتحادية يفتح المجال لتغيير فقرات غير فعّالة
فرنسا تشهد أول محاكمة لدواعش من رعاياها اعتدوا على إيزيديين
مجلس الخدمة الاتحادي: نحتاج لأكثر من 5 مليارات دولار شهرياً لتمويل رواتب الموظفين
الأكثر قراءة
الرأي
الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!
رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...