الرئيسية > أعمدة واراء > حوار افتراضي مع فرويد عن (الشاعر) و(الشَعَّار)

حوار افتراضي مع فرويد عن (الشاعر) و(الشَعَّار)

نشر في: 16 أكتوبر, 2015: 09:01 م

قلتُ لفرويد: هل تعرف، سيدي، الفارق بين (الشاعر) المعروف و(الشَّعّار) العراقية؟
قال فرويد: أوَ ليست من الشّْعْر نفسه؟ فما الفارق؟
قلت لفرويد: الشَّعَّارْ هو راقص شعبيّ بل رقّاص، مبتذَل قليلاً، يرتزق بالموسيقى والرقص في الأعراس وغيرها، يقال في عامية العراق (لا تتصرف مثل الشعاعير أو الشعَّارين) بمعنى لا تتصرف بشكلٍ مُتدنٍّ.
قال فرويد: ما أبعد البون بين هذا وذاك؟. فما الشِّعْر عند العرب من هذه الوجهة؟
قلتُ لفرويد: يطول الحديث، غير أني أختار لك ما قاله بعضهم. قال الأَزهري (الشِّعْرُ هو القَرِيضُ المحدود بعلامات لا يجاوزها، والجمع أَشعارٌ، وقائلُه شاعر لأَنه يَشْعُرُ ما لا يَشْعُرُ غيره أَي يعلم). وقالوا (سُمي شاعراً لفطنته). والمُتَشاعِرُ هو الذي يتعاطى قول الشعْرِ، وليس بشاعر حقيقيّ ومثله الشويعر. وفي الحديث، قال رسول الله: (إِن من الشِّعْر لَحِكمَةً فإِذا أَلْبَسَ عليكم شَيْءٌ من القرآن فالتمسوه في الشعر فإِنه عربيّ). ولو صح الحديث فإنه يربط الشعر بالفلسفة (الحكمة) من جهة، وبعمق الممارسة الشعرية في المنطقة: "فإِنه عَرَبِيّ"، جملة ذات مغزى، فإنها تعني أن له عمقاً في التاريخ المحليّ العربيّ.
ومن مفاهيم الشعر عند العرب ما قرأته في القاموس المحيط أن الشِّعْر غَلَبَ على مَنْظُومِ القولِ، لِشَرَفِهِ بالوزْنِ والقافِيةِ، وإنْ كان كلُّ عِلْمٍ شِعْراً، ج: أشْعارٌ.
قال فرويد: الخلاصة القائلة إن (كلّ عِلْمٍ شِعْر)، في غاية الخطورة والأهمية لكأننا نتحدّث بالأحرى عن الشعرية المعاصرة، أو عن المعرفة الخالصة التي تمسّ التجريد.
قلتُ لفرويد: لقد أذهلتني هذه الخلاصة عينها. وهي في الحقيقة من المعنى الأول، الأصليّ للفعل شَعَر: شَعَرَ به وشَعُرَ يَشْعُر شِعْراً وشَعْراً وشِعْرَةً... الخ؛ كله: عَلِمَ. فالشِّعْر هو العلم، هو المعرفة، وهذا هو قولهم لَيْتَ شِعْرِي أَي ليت علمي أَو ليتني علمتُ، وقولهم ليتَ شِعري من ذلك أَي ليتني شَعَرْتُ. ومن هنا ارتباط الشعر القويّ عند العرب بالمعرفة العميقة.
قال فرويد: نمساويّ مثلي يخلّط دائماً بين مفردتي (الشِّعْر) بكسر الشين و(الشَّعْر) بفتحها.
قلت لفرويد: شتان. وطالما نتحدث عن الشَّعّار، بتشديد العين، علينا الانتباه إلى الشِّعِارُ –بكسر العين من دون تشديدها- وهو ما استشعرتْ به من الثياب تحتك. وأَشْعَرْتُه أي أَلبسته الشّعارَ. واسْتَشْعَرَ الثوبَ لبسه؛ ويقال: شاعَرْتُ فلانة إِذا ضاجعتها في ثوب واحد وشِعارٍ واحد، فكنتَ لها شعاراً وكانت لك شعاراً. ويقول الرجل لامرأَته: شاعِرِينِي. وشاعَرَتْه أي ناوَمَتْهُ في شِعارٍ واحد.
قال فرويد: طيب، فكيف ذهبوا من (الشاعر) إلى (الشَّعّار)؟
قلتُ لفرويد: لاحظْ سيدي أنهم اشتقوا الشعّار على وزن فعّال، من فعل لا وجود له هو شعّر، بتشديد العين، ولا منطق داخلياً له في الحقيقة إذا كان المعنى الأصليّ للفعل شَعَر هو علم، كأن الشعّار هو من يتصنع الشعور بالعلم تصنُّعاً. ولعلهم تسمّعوا الشَّعّار يرتل أشعاراً عادية مبتذلة، أو صياغات منغَّمة مقفاة لا قيمة لها، فقالوا له شَّعّاراً بمعنى شويعراً أو متشاعراً تفريقاً له عن الشاعر. ولكنهم لم يفعلوا الأمر نفسه في العراق الشعبيّ مع النائحة أو المرتلة فسموّها (شاعرة) وليس (شعّارة) بسبب عدم ابتذال مناسبات حضورها.
قال فرويد: لنقلْ إن كلمة شعر تنحدر في اليونانية من فعل (الخلق) وفي اللاتينية من (التخيّل والمخيال).
قلت لفرويد: هذا أمر يجب أن يؤخذ بالحسبان لفهم معنى (الشعرية) الحالية التي يبدو أنها تخرج من نطاق دلاليّ أوروبيّ يختلف بشكل واضح عن النطاق الدلاليّ العربيّ.
قال فرويد: أجل، لأن هذا الاشتقاق المختلف يمسّ، في نهاية المطاف، الحقل الأبستمولوجيّ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. نسرين اليوسفي / دهوك / كردستان

    ما أثقـَفك لو صَحَّ التعبير . غير أنَّ الحوار مع شخصية أدبية قديمة أو مع فيلسوف أو مفكر متوفى لتوضيح فكرة أو إعلانها - كطريقة في التقديم - أو كأسلوب للعرض ، لاتليق أو لا ترقى إليك استاذنا القدير . لديك اسلوبا أرقى من هذا بكثير ، وقد عرفناك متجدداً ع

  2. نسرين اليوسفي / دهوك / كردستان

    ما أثقـَفك لو صَحَّ التعبير . غير أنَّ الحوار مع شخصية أدبية قديمة أو مع فيلسوف أو مفكر متوفى لتوضيح فكرة أو إعلانها - كطريقة في التقديم - أو كأسلوب للعرض ، لاتليق أو لا ترقى إليك استاذنا القدير . لديك اسلوبا أرقى من هذا بكثير ، وقد عرفناك متجدداً ع

يحدث الآن

الجولاني: "سأزور العراق قريباً إنهم أهلنا"

جدول أعمال جلسة مجلس النواب ليوم الإثنين

مزارعو 3 محافظات يحتجون على تأخر صرف مستحقاتهم لدى الحكومة

القاسم يتعادل مع الكرخ وأربيل يفوز على الحدود بدوري نجوم العراق

نائب الرئيس الإيراني: الغرب فشل في خطته لحرمان بلادنا من التكنولوجيا النووية

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

قناطر: الزبير والمُستزْبِرون

من يونيتاد الى المحكمة الجنائية الدولية..العدالة الدولية تحت المطرقة

سيكولوجية تجنيد العقول في الجماعات الارهابية الدينية

هلال العيد.. جدل متجدد بين الفقه والعلم وثقافة الاختلاف

العمود الثامن: من يحاسب ضباط الداخلية ؟

العمود الثامن: اربيل تقرأ

 علي حسين صبيحة كل يوم يجد المواطن العراقي المسكين نفسه محاصرا بأخبار الصراع على السلطة، بين الذين يجلسون على كراسي السلطة.. حالة غريبة وعجيبة. هذا المواطن بعد تجربة مريرة لن يصدق أكذوبة أن...
علي حسين

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

 علاء المفرجي الانتاج السينمائي الموجه للجماهير العريضة بهدف جني الارباح من شباك التذاكر، هو الظاهرة التي لازمت الانتاج السينمائي في كل مكان، وربما كانت السبب الأساس في تراكم خبرة السينمات التي أزدهرت فيما...
علاء المفرجي

مرور نصف عقد على رحيل رفعة الجادرجي 10 نيسان 2020

بلقيس شرارة منذ خمسة اعوام فارق رفعة الحياة، وترك فراغاً كبيراً في حياتي. فقد كان رفيق فكر منذ ان تعّرفتُ عليه، وارتبطت حياتنا بذلك التقارب الفكري الذي ثبّت الأسس التي بنيت عليها تلك الرفقة...
بلقيس شرارة

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

د. قاسم حسين صالح يعدّ الأمام علي اول خليفة وأول رجل دين في الأسلام ينتبه وينّبه الى صفة غاية في الأهمية يشترط توافرها في الحاكم هي ان يكون متمتعا ( بصحة نفسية وعقلية!).. وتعني...
د.قاسم حسين صالح
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram