TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شعرياتُنا.. والشعرياتُ الآسيويةُ

شعرياتُنا.. والشعرياتُ الآسيويةُ

نشر في: 12 فبراير, 2016: 09:01 م

(2-3)
في الصينية مفردة تشي (الشعر) هي اسم مذكّر، وفي العربية أيضاً الشعر اسم مُذكّر، فهل كان يُعبّر بالأصل عن الأغنية والقصيدة كما كان يفعل في الصين، قبل تعبيره عن النوع الأدبيّ المعروف؟. الإجابة صعبة بغياب الآثار الدقيقة التي تسبق مُعلّقاتنا. لكن، إذا اعتبرنا نصّ (ترنيمة الشمس) الحميرية سلفاً ممكناً من أسلاف الشعر العربيّ، وأنها تمُتّ بصلة للأناشيد الرافدينية، لَحَقَّ لنا الاعتقاد أن الأغنية والقصيدة هما أصل الشعر العربيّ. وقد ألمحنا لذلك مرة في عمود في "المدى" لكن في سياق مختلف.
دون تعارُف مباشر بينهما، جميع القضايا التي طرحتها المتخصصة الفرنسية أوديل كالتينمارك عن الشعر الصينيّ، طرحها د. يوسف محمد عبد الله عن (ترنيمة الشمس): "إذا كان بالإمكان أن يكون مضمون هذا النص اليمنيّ القديم هو دعاء استسقاء، فما بال شكله؟ وأيّ نوع من أنواع الكتابة والإنشاء؟ أو قُلْ هل يندرج النص ضمن أيّ نوع من أنواع الأدب نثراً كان أم شعراً؟". وحتى بشأن النبر (التونات) يتطابق الأمر، يقول: "وحاولتُ أن أطبّق على النص أوزان العرب وقارنتُه بالأشعار الشعبية اليمنية وأشعار لهجات المهرة وسقطرة وبعض المنظومات من البلاد الإفريقية المجاورة، فبدا لي أن هذا الضرب من الكلام ربما كان قائماً على نقش شعريّ قديم يعتمد على استغلال النبرة كعنصر موحّد، وينتظم كلّ سطر عدد معين من النبرات، وتكون القافية آخر موضوع للنبر فيه. وهذا يخالف الفن الشعريّ العربيّ الذي يعتمد أوزاناً كمية يحكمها عدد المقاطع".
أحسبُ أن النوع الشعريّ العربيّ تطوّر بدوره عن أغنية وقصيدة، من الناحية الشكلية في الأقلّ.
وفي العودة إلى شعرية (الأمثال الصينية)، نتساءل عن سبب تَلامُسِ العديد من الأمثال الصينية مع مثيلتها العربية؟
لا بد أن القارئ يلاحظ تشابُهاً بين العديد من الأمثال الصينية ومثيلاتها العربية، يصل بعضها حدّ التطابُق. ولا بد من تفسير منطقيّ يستبعد الصدفة للحظة من ذلك. دائماً كانت الحضارة الصينية مثالاً رفيعاً للحضارة العربية - الإسلامية حتى أنها، رغم وثنيّتها، لم تُعتبر في العرف الثقافيّ الإسلاميّ، داراً للكفر قط، كما لاحظ باحث سوريّ قبل سنوات، كأن الحضارة العالية والفنون والآداب قد محَتِ الكفرَ عنها، وقرّبتْها من دار الإسلام. يشهد تاريخ الفن، والخزف خاصة، على ذلك أيضاً. كل ما ذكره مؤلفون قدامى مثل الجاحظ ثم الرحّالة اللاحقون كابن بطوطة عن الصين يدلّ على تقدير للصين يَصِلُ حدّ اعتبارها مثالاً حضارياً يتجاوز متطلبات النسق الدينيّ بأشواط بعيدة، بل يحيِّدُه تماماً، وينفيه.
هذا هو السبب الذي يدفعنا إلى الاعتقاد أن حكمة الصين، وأمثال شعوبها، قد وصلت للعرب مُداوَرَة عبر الطريق الفارسيّ (أي عبر طريق آسيا الوسطى في نهاية المطاف) وإنْ نُسِب أحياناً لغيرها وأن أمثالها قد حوّرت وغُيِّرت بطريقةٍ تستجيب لمزاج ومنطق وأعراف المنطقة العربية. لكن هذا التناسُب بين الأمثال الصينية والعربية الذي يصل حدّ التطابُق، قد يُفسّر أيضاً بالمزاوجة التي تشترك بها ثقافتان بين الاستعارة والحكمة، أو قول الحكمة بوسيلة مجازية أقرب للشعر مما هي إلى روح المنطق النثريّ العقلانيّ، وبالانحناء على مشكلات الوجود الكبرى والحياة اليومية الصغرى كليهما بأسلوب يتراوح بين الشعر والنثر، وبين التجهُّم والطرفة، وهو ما يشهد عليه أيما كتاب موسوعيّ عن الأمثال العربية التي تستحق دراسة لشعريّاتها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

قناطر: الزبير والمُستزْبِرون

العمود الثامن: من يحاسب ضباط الداخلية ؟

التحدي الوجودي للمشرق العربي

قناديل: خسر كوبولا ملايينه. هل ربح نفسه؟

هل تعد واشنطن لاتصالات سرية مع إيران؟

العمود الثامن: من يحاسب ضباط الداخلية ؟

 علي حسين قالوا في تسويغ جريمة تعذيب وقتل المهندس بشير خالد، إنها حادثة طبيعية، مجرد شجار بين السجناء ادى الى نهاية حياة مواطن بوحشية، وطالبتنا وزارة الداخلية بان نكون مع الصادقين، وان لا...
علي حسين

قناديل: خسر كوبولا ملايينه. هل ربح نفسه؟

 لطفية الدليمي لم أصدّق نفسي بادئ الأمر. فرنسيس فورد كوبولا، صانعُ الروائع السينمائية (العرّاب) و (القيامة الآن) و(المحادثة) تتوّجُهُ الأكاديمية السينمائية الأشهر في العالم على رأس قائمة الأفلام الأسوأ صناعة. هكذا رأى أقطاب...
لطفية الدليمي

قناطر: الزبير والمُستزْبِرون

طالب عبد العزيز أثارت دعاوى بعض النوّاب والشخصيات الاجتماعية من (المستزبرين) الخاصة بجعل قضاء الزبير محافظة ردود أفعال رسمية شعبية كبيرة، خلال الأسبوعين الماضيين، ودافع عنها البعض على المستويين الرسمي والشعبي، واستنكرها غالبيةُ البصريين...
طالب عبد العزيز

التحدي الوجودي للمشرق العربي

فراس ناجي تواجه دول ومجتمعات المشرق العربي تحدياً وجودياً عبر حالة التوحش اللاإنساني في استعمال القوة لفرض إرادة المشروع الاستيطاني الصهيوني التوسعي بالتزامن مع انهيار مبادئ النظام الدولي وشلل مؤسساته المعنية بتطبيق هذه المبادئ....
فراس ناجي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram