TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هل تاريخ الفن العام هو تاريخ أيديولوجيّ؟

هل تاريخ الفن العام هو تاريخ أيديولوجيّ؟

نشر في: 4 مارس, 2016: 09:01 م

(1-2)
لعل وسائل التواصل الاجتماعيّ تسمح لبعضنا بتحصيل أفكار برقيّةٍ، جديرة بالتطوير، مثل سؤالنا التالي مرة: هل تاريخ الفن الحديث في العالم العربيّ رديف لكرامة وعزّة الدولة الوطنية الحديثة؟ وهل لذلك علاقة ضيقة بالأيديولوجيا على مستوى الفكر السائد في العالم العربيّ؟
لأول مرة في العالم العربيّ، على حدّ علمنا، ُأْدْرِجتْ في جامعة عربية جنوب تونس، مادة لطلبة الماجستير تتعلق بإشكاليات تطور الفن العربيّ الحديث والمعاصر. وهي مادة مهمّة طالما استبعدتْها معاهد الفنون في العالم العربيّ رغم حاجة طلبة الفنون لإقامة مقاربات بين أعمالهم والسياق التشكيلي العربيّ العام. كان لي شرف المساهمة باقتراحها وتدريسها منذ سنوات. الملاحظة الأولى بعد قراءة الكتب المنفصلة المتعلقة بنشوء وتطوّر الفن في كل بلد عربيّ على حدة هي الشعور الطاغي بوجود تيّار فاعل بين الدارسين يعتبر نشوء وروّاد الفن العربيّ الحديث رديفاً صريحاً لكرامة وعزة الدولة الوطنية الحديثة، وما يستتبع ذلك من جعل رواد الفن العربيّ بمصاف روّاد النضال والاستقلال ورموزاً وطنية غير قابلة للمراجعة. هنا يُغيَّب التحليل النقديّ بشكل شبه مأساويّ ويغدو تبجيل الماضي القريب رديفا (لروح الأمة والوطن) التاريخيّ. نحن هنا، حرفياً تقريباً، أمام (أسود الرافدين) و(الفراعنة) و(نسور قرطاج) على الصعيد الرياضيّ فيما بعد. وهذا مُلاحَظ بشكل متواتر في الأطاريح الجامعية التي تشدّد على فرادة وخصوصية الروّاد الافتراضية، وتخفّف إلى أبعد حدّ من تاثّراتهم بأساتذة أوربيين ورؤساء أكاديمياتنا الأوائل الأجانب ونقلهم الأسلوبيّ الصريح من كبريات مدارس الفن الحديث، أو قول ذلك على حياء. والتركيز مقابل ذلك على خصوصيات محلية مفرطة طالما أن فنانينا سعوا لنقل الأجواء الشعبية والريفية والتقاليد المدنية المخصوصة ببلداننا. تاريخ الفن العربيّ الحديث يصير لذلك، وكذلك، فرعاً من التاريخ السياسيّ العربيّ الحديث.
عندما لا تتسع قاعة الدرس لجميع المشكلات شرعنا طيلة شهور، وما زلنا، ننشر ملاحظات تفصيلية عن (المُهمَّش والمَنْسيّ والمجهول في التشكيل العربيّ) على الفيسبوك، مبتدئين بالعراق، من أجل البرهان أن لروّاد الفن العراقيين أساتذةٌ، وهؤلاء لم يكن مرغوباً دوماً الإعلان عن أسمائهم وتأثيراتهم، خاصة عن وقع أساليبهم فيما نُسب لغيرهم. البداية بالعراق استهدفت تأجيل ثقافات عربية حالية موسومة (بالخوف) الشديد والحذر من خدش (مروياتها السرديّة الكبرى) ومن رهابها قريب العهد من (الأجنبيّ) الذي تَدخَّل طويلاً في شأنها العام. أشرس النقود بشأن العراق وصلتنا من روائيّ عراقي لم يقبل جوهرياً أن يكون للراحل الكبير جواد سليم أساتذةٌ.
لكن عندما كنا ننشر عن بلدان أخرى في الفيسبوك حول الموضوع نفسه، وآخرها عن المغرب، كنا نلاحظ عدم حماس مثقفي هذه البلدان لِمَا يُلاحَظ في بلدانهم قدْر حماسهم للملاحظات المتعلقة ببلدان أخرى. قُلْ ما شئتَ عن الآخر ولكن ليس عن بلدي. وهذا الأمر يمكن أن يُفسَّر بتأويلين: إما الاعتقاد أن التاريخ التشكيليّ المحليّ حِكْر على الباحثين المحليين، حيث لا أحد قادر مثل ابن البلد على معرفة دقائقه وتفاصيله (وهو تصوّر حاضر في التشكيل وليس في الشعر؟). وإما الانطلاق من هذا الشعور الوطنيّ المتأجّج الذي يخلط بين حبّ الوطن وتاريخ الوطن، المشوب أحياناً بخيبة أمل.
تاريخ الفن الحديث في البلدان العربية هو تاريخ أيديولوجيّ بوضوح، كُتب مُجتمِعاً أو متفرّقاً. وهنا الوجه المحليّ لإشكالية تاريخ الفن الذي يُعبّر عن (مركزية محلية). هناك قبله الوجه الأصليّ العالميّ الذي يعيّر عن (المركزية الأوروبية).
 (يُتبع)

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram