-1-
قبل أن ينقله فيلمه "إغواير، غضب الرب" عام 1972 ،الذي صوره في البيرو، الى موقع الصدارة في السينما العالمية، كان المخرج الألماني فرتر هيرتزوغ ،العاشق للسينما منذ طفولته، يمول افلامه الوثائقية القصيرة من عمله ليلا كعامل لحام.. ونال فيلمه الاخير "كلمات اخيرة" إحدى الجوائز السينمائية المهمة وهو لم يزل طالبا في جامعة ميونيخ.
وتكرّ سبحة انجازات هذا المخرج ،الذي يعد من ابرز الأسماء في السينما الألمانية المعاصرة، بأفلام كبيرة في قيمتها الفنية والفكرية مثل (لغز كاسبر هاوزر) و(فيتز جيرالدو) الذي يحكي عن رجل عزم على بناء دار أوبرا في أدغال الأمازون، فيسحب سفينة عبر الجبال من اجل ذلك.. وهو ما فعله وهو يصور فيلمه وسط الأدغال، في وقت لم تدخل فيه المؤثرات الخاصة مجال العمل السينمائي.
مخرج مجدد ومغامر، وينفرد في تعبيريته المنجزة ولغته السينمائية المتجددة والتي تجلت بشكل واضح في منجزه الروائي والوثائقي.. فعرف عنه اختياره الموضوعات الخارجة عن المألوف، وشخصيات غربية ذات قوى غير طبيعية في مواجهة طبيعة قاسية ومنغلقة.
وانطلاقا من ذلك كله.. اختار هيرتزوغ شخصية على الرغم من شحنة الدراما والحركة في شخصيتها وسيرتها، فضلا عن دورها التاريخي المؤثر في فترة ما بعد الحرب العالمي الأولى، اختارها لفيلمه الجديد.. وهي تدخل ضمن انشغاله في تقصي جوانب مهمة لكنها مهملة من التاريخ لوضعها أمام كاميرته لإعادة الحياة لها ولسيرتها.. فقط مخرج من طراز فيرتر هيرتزوغ ينتبه إلى مثل هكذا موضوعات لا تتعلق فقط بسيرتها، بل باستبطان أغوار هذه الشخصية، وسرد الأحداث التاريخية التي وأسهمت في تكوينها.
وكان هيرتزوغ قد أعلن في مؤتمر صحفي في مهرجان دبي السينمائي في دورته الأخيرة عن وضع اللمسات الأخيرة لمشروعه الفيلمي هذا الذي يوثق حياة الكاتبة والرحالة وعالمة الآثار الانكليزية جيرترود بيل أو المسزبيل كما عرفت، وأعلن أن دبي ستكون احد مواقع التصوير في صحاراها الشاسعة، واستدرك انه ما يزال يبحث عن مواقع تصوير أخرى.
وكم نمنّي النفس في أن تكون بغداد احد هذه المواقع خاصة أن الأماكن التي استقرت بها المسزبيل خلال وجودها في العراق ما زالت شاخصة بما فيها قبرها في مقبرة الأرمن ببغداد مع توفر الكثير من الكتب والوثائق عنها. وإذا كانت المسزبيل قد جالت الشرق منقبة عن آثاره منذ فترة صباها قبل الحرب الأولى، فإنها قد استقرت في العراق نهائيا بعد الاحتلال البريطاني للعراق وكان لها دور رئيس في تأسيس الدولة العراقية وأيضاً حتى وفاتها عام 1926. من المؤسسين للمتحف العراقي، والمكتبة العامة.
وكانت لها مقولتها الشهيرة بعد تولي فيصل عرش العراق، حيث كتبت لأبيها: " ثق بأني لن أصنع الملوك بعد الآن، وسأدرس ملوك العراق القدامى". ومخرج فطن مثل هيرتزوغ لا يمكن أن يغفل أن الجانب الأهم في سيرة المسزبيل كان في العراق.