-2-
يجد المتلقي نفسه مجبرا على مقارنة فيلم هيرتزوغ "ملكة الصحراء" مع فيلم ديفيد لين "لورنس العرب" المنتج عام 1962 على الاقل من جهة المكان حيث الصحراء المترامية الاطراف وحكاية الشرق التي لا تنتهي او زمن الاحداث حيث الشرق في بداية تكوينه السياسي الجديث..
فيلم هيرتزوع ينتمي الى افلام السيرة حيث شخصية جيرترود بيل الرحالة والمستكشفة الانكليزية التي تعرف بـ(مس بيل) او (الخاتون) كما يلقبها العراقيون.
هيرتزوغ لا يخفي حقيقة انه لم تكن له معرفة سابقة بـ(بيل) الا من خلال منتج الفيلم، لكنه بالتأكيد عمل على الالمام بكل مفاصل حياتها وسيرتها التي تبدأ من تخرجها من جامعة اوكسفورد هي التي تنتمي الى عائلة نبيلة في بريطانيا وليس انتهاء بمغامراتها في بلاد فارس والصحراء العربية.
لكن ذلك لم يكن كافيا لديه في ان يصنع فيلما يفي الجانب السياسي التاريخي لهذه الشخصية حقه خاصة بالنسبة لنا نحن شعوب الشرق الذين تحتفظ وثائقهم وذاكرتهم لهذه المرأة انها اختطت لهم مصيرهم، هذا المصير الذي ما زالت منطقة الشرق الاوسط تعاني من تداعياته السياسية والاجتماعية حتى يومنا هذا.
هيرتزوغ لم يكن مهتما بالاحداث السياسية والتاريخية التي رافقت شخصية بيل وانفعلت بها، بل وصنعت البعض منها، قدر اهتمامه بسيرة بيل العاطفية سيرتها كأمرأة مغامرة تحاول ان تغير بنمط حياتها وتنتقل من الحياة الارستقراطية الهادئة في انكلترا في عز مجدها الى الصحراء، وتحديدا الى منطقة ستكون يوما ما بؤرة الاضطرا ب والتوتر في العالم.. امرأة قوية، قوتها في ان تختار اسلوبا لحياتها وقناعتها. كانت المرأة الوحيدة بين 40 رجلا وقع عليهم الاختيار من قبل وزير المستعمرات تشرشل للمشاركة في مؤتمر القاهرة عام 1921 حول مستقبل المنطقة.
افتتح الفيلم بمشهد اجتماع لقادة عسكريين يبدو فيه وينستون تشيرشل يقسّم المنطقة العربية على الخريطة غداة سقوط الإمبراطورية العثمانية،. يقترح لورانس باستشارة جيرترود لأنها الأكثر دراية بالمنطقة وجغرافيتها، ثم يعود بنا هيرتزوج اثني عشر عاماً لنتقصى سيرة جيرترود، بعد تخرجها الجامعي وذهابها إلى عمها بطهران وقصة علاقتها بالسكرتير التالث في السفارة البريطانية، ورفض والدها الزواج منه لمستقبله غير المضمون، ثم يتكفل موته بالبقية ، وتعلُّمها الفارسية والعربية بعد انتقالها إلى السفارة بعمان والعيش هناك بالصحراء على حدود السعودية، بينما يختتم هيرتزوج الفيلم، بتشيرشل يلتقط صورة تذكارية له أمام أبي الهول والأهرامات .
المتلقي وبشكل خاص الذي لا يعرف (مس بيل) من خلال هيرتزوغ ستحتفظ ذاكرته بامرأة غربية قدمت الى الشرق وعاشت علاقات عاطفية مختلفة.. سيساعده في ذلك السيناريو غير المنضبط بحبكة او ترابط درامي، الذي اعتمده هيرتزوغ وسنكون بذلك امام فيلم تقليدي في احداثه وموضوعه وفي رسم شخصياته.. وهذا يتعارض مع افلام هيرتزوغ التي تبحث في احداث وشخصيات مستحيلة ومغامرة.
لم يسقط (ملكة الصحراء) في السياسة، رغم الخلفية السياسية التي تدور بها أحداثه مثلما نجح في ان لايتناول الموضوع من الجانب الاستشراقي وابراز فولكلور الصحراء، لكن اهتم بشخصية جيرترود بيل وبخيباتها العاطفية وقوة هذه الشخصية.
مخرج بوزن هيرتزوغ ربما كان تناوله لسيرة (بيل) قصديا فقد اغفل جوانب مهمة من حياتها كانت في الفيلم مجرد خلفيات لسيرتها على الرغم من اهميتها المصيرية لشعوب المنطقة وكذلك لـ(بيل) نفسها والتي رسمت حدود هذه البلدان على الرمال.
وحتى شخصية ت.اي. لورنس التي ترسخت في الذاكرة بالصورة التي رسمها ديفيد لين في ملحمته (لورنس العرب) لم يكن في فيلم هيرتزوغ سوى شخصية كاريكتيرية لا روح فيها ويبدو انه في رسمه لهذه الشخصية كان في مخيلته صورة مضادة لتلك التي رسمها لين .
مسز بيل كما رآها هيرتزوغ
[post-views]
نشر في: 20 إبريل, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...