أوّل مساوئ التكنولوجيا الرقمية أنها شجّعت على الكسل. فلم تعد تبحث عن جريدتك المفضّلة عند بائع الصحف ، وأصبح التلفزيون مرافقا لك على جهاز الآيباد ، كلما أردتَ أن تشاهد صورة عواطف النعمة ترعد وتزبد ، او تستمع الى نحيب لقاء وردي ، المهم أنك بسهولة تستطيع ان تشاهد اثنين من السياسيين يصرخون حول كيفية إنقاذ العراق من المؤامرة الإمبريالية ، أو مباراة في مفهموم المجتمع المدني ، وعليك ان تختار. وأنا اختار طبعا مشاهدة أفلام توم وجيري ، لأنّ بين الاثنين من التسامح والطيبة أكثر مما بين صالح المطلك ومحمد الصيهود . وأعود إلى الكسل الذي اكتشفت أمس فقط انّ له فلسفة خاصة به ، حين تقرر ان تختاره بنفسك ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، العطل التي يتمتع بها النواب برغبتهم الخاصة ، موظفو دوائر الدولة الذين يعتقدون ان أداء الخدمة للمواطن " رجس من عمل الشيطان " ، قرارات الإصلاح التي أطلقها العبادي قبل عام وتحولت الى مجرد خطب " ثورية " ، غياب حاكم الزاملي في ظروف كوميدية ، ثلاثية مهدي الغراوي والرؤوس الكبيرة التي قال انها ستتدحرج في قضية الموصل.، هكذا أرادوا منّا أن نعيش حالة من الكسل اللذيذ يسميها البعض راحة ، والمؤمنون من حجّاجنا يسمونها قناعة لاتفنى ، أما الغربيون " الكفار " فيُطلقون عليها ترفاً.
الفيلسوف البريطاني برتراند رسل الذي اكتشفتُ انه وضع كتابا بعنوان " في مديح الكسل " فإن فلسفته عن الكسل من أمتع ما قرأتُ مؤخرا من الكتب ، وبرغم ما عرف عن رسل جدّيته والتزامه بقضايا الإنسان وتحذيره الشعوب من أن يُصبح خيار الساسة هو حافة الهاوية فقط ، اطمئنوا لم يعد العراق على حافة الهاوية ، لقد تجاوزناها عندما قرر " فقهاء " السلطة ان التصويت على العطل السنيّة والشيعيّة بداية لعراق جديد مستقرّ .
يُخبرنا برتراند رسل في كتابه الطريف هذا من ان حتى نشرة احوال الطقس يُصبح لها طعم خاص في ظل الكسل ، ، فالناس ترى الطقس مثل الحكومات ، دائما على خطأ ! ففي الصيف يوهمنا انه رطب ، لكنه خانق كثيرا ، وفي الشتاء يقول انّ به قليلا من الغيوم ، فنكتشف انه قاتل ، وفي الربيع والخريف نجد ان عيبه لا هذا ولا ذاك. دائما ما يحاول اصحاب نشرة الأنواء الجوية ان يُطمئنونا أنّ الجوّ معتدل ، لكنه في الواقع يعصف بالاشجار " .
نسيت أن أجيب سؤالك: لماذا اتحدث عن الكسل اليوم ؟ ، ربما تفرغ من هذه السطور. فتكتشف الخلاصة : إذا لم يكن المسؤول أباً للفساد وشريكاً فيه ، فهو على الأقل راع له ، إما بالتمرير أو التغاضى أو حتى بالكسل .
العقول الكسولة
[post-views]
نشر في: 12 يونيو, 2016: 07:12 م
جميع التعليقات 2
بغداد
استاذ علي حسين نقطة جدا مهمة وضعت إصبعك على المعضلة وشخصت المرض العضال الذي اصاب الدولة العراقية برمتها وهي معضلة الكسل الذي ضرب الوطن بالصميم وأصابه بداء ليس له دواء الا الكي؟! شنكول شنحجي بعد ويا هل التنابل ( مجلس الدواب النيام )؟! فوك البدع والطقوس الم
د عادل على
اننا نستحق ماجرى لنا ومايجرى لنا وما سوف يجرى لنا-------شعب مثل الشعب العراقى الدى له الاحزاب التقدميه والجماهيريه والثقافة العاليه----- لم يستطيع تحرير نفسه من عصابات شقاوات دربونات العوجه وتكريت والاعظيه والشواكه والجعيفر ---------هل كان سياسييون