لم يكن محمد خان مجرد رقم في مسيرة السينما المصرية وتحولاتها على مدى اكثر من مئة عام من بدايتها، فهو في سيرته الحياتية التي شهدت انعطافات في توجهاتها، والسيرة المهنية التي تمخضت عن 23 فيلماً تركت أثراً مهماً في السينما المصرية، يعد من الأشخاص الذين لم يكن مرورهم في الحياة عادياً بل مؤثراً .
كانت الهندسة المعمارية حلم طفولته ولم تكن بعيدة عن سمات شخصيته في ابتداع الأشكال والحيّزات الفراغية الملائمة وبإبداع التصميمات ، وهي جميعها ما حرص عليه في عمله في السينما التي قادته المصادفة اليها أثناء سفره الى لندن بصحبة شاب سويسري الى مدرسة الفنون، والتي كانت الانعطافة الحاسمة في حياته .. ولم تكن دراسته في معهد السينما أكثر من معرفة التقنيات السينمائية ، ذلك ان المدرسة الحقيقية للسينما التي جعلته يغرم حد الانهماك في هذا الفن ، هي المشاهدة النهمة لأفلام الستينات والاطلاع على التيارات والمدارس السينمائية مثل الموجة الفرنسية الجديدة، والموجة التشيكية ، لحظة انبثاقها وسريان أثرها في مجمل الانتاج العالمي.
قبل إخراج فيلمه الأول (ضربة شمس) عام 1978 ومنذ عودته من القاهرة، مارس محمد خان الكثير من الأعمال ذات الصلة بالسينما، فقد عمل في شكة إنتاج تحت إدارة المخرج صلاح أبو سيف ثم مساعداً للإخراج في لبنان مع مخرجين مثل يوسف معلوف ووديع فارس وكوستا وفاروق عجرمة وغيرهم .. وأصدر كتابين في السينما.
والأهم من كل ذلك هو حرصة في النصف الأول من السبعينات على تشكيل جماعة الصحبة في مسعى لمحاكاة الجماعة الفرنسية، فكان أن ضمت أهم مخرجي وفنيي تلك المرحلة أمثال بشير الديك وسعيد شيمي ونادية شكري وعاطف الطيب وخيري بشارة وداوود عبد السيد، حيث جمعتهم الصداقة والقضايا والهموم الفنية والثقافية بشكل عام. وكان الهدف من إنشاء هذه الجماعة هو إنتاج أفلام ذات مستوى وأسلوب مختلف عن السائد، وكان الفيلم الوحيد الذي قامت الجماعة بإنتاجه هو (الحرّيف).
تميزت أفلام محمد خان بواقعيتها وانشغالها بالتفاصيل الصغيرة، والأهم من كل ذلك تناولها للهم المصري وملاحقة نبضات المواطن المصري البسيط.
ففي فيلم "ضربة شمس" الذي تحمس لسيناريوه نور الشريف ما جعله ينتجه بنفسه وهو عن مصور صحفي يرتبط بقصة حب مع موظفة تشجعه فى عمله وتحلم معه بمشروعات كبيرة، ، وبالصدفة يلتقط صورة لقصاصة ورق تحترق عليها كلمات تبدو غامضة، تقوده هذه الكلمات إلى عصابة تتزعمها امرأة تقوم بتهريب الآثار للخارج،وبتزييف النقود. ثم تتوالى أفلامه : طائر على الطريق ، موعد على العشاء، الحرّيف ، خرج ولم يعد، عودة مواطن، زوجة رجل مهم، وصولا الى فيلم "عشم" (2013) الذي عاد به السينما بعد انقطاع دام سبع سنوات والذي تدور أحداثه حول خلفية الاضطرابات خلال فترة ما قبل ثورة 25 يناير 2011 عارضاً قصصاً لستة أزواج في مراحل مختلفة تعبر عن الطموح والسعادة وخيبات الأمل ، فعشم بائع متجول يربط بين تلك الحالات الاجتماعية معبراً عن قمة تفاؤله حول مستقبل مصر.
اما فيلم "فتاة المصنع" الذي انتجه عام (2014)، فقد كان محمد خان أميناً لأسلوبه الذي عرف به . وتدور أحداث "فتاة المصنع" على مدار فصول سنة كاملة في شارع صغير وفقير في واحدة من "عشوائيات" القاهرة، حيث تعمل معظم بناته في مصنع ملابس. وقد كان بمثابة مسك ختام لمسيرة سينمائية حافلة، على الرغم من فيلمه الأخير (قبل زحمة الصيف) 2015 ، والذي تناول موضوعة تبدو خارج السياقات التي اعتادها المشاهد منه، إلا أن التمعن في موضوعة الفيلم تجعلنا نرى فيه إخلاصاً لأسلوبه السينمائي.
محمد خان الحرّيف الذي غادرنا
[post-views]
نشر في: 3 أغسطس, 2016: 02:28 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...