TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فايدا الذي رحل

فايدا الذي رحل

نشر في: 19 أكتوبر, 2016: 09:01 م

التشكيل والمسرح كانا من اهم انشغالات اندريه فايدا الذي رحل عن عالمنا الاسبوع  الماضي، رحل منهما الى السينما .. منتصف الخمسينات ، ليبدأ متأثرا مثل كل ابناء جيله في تلك الفترة بالواقعية الايطالية الجديدة التي بانت واضحة في ثلاثيته السينمائية  («جيل»، و«كاناو»، و«رماد وألماس») نهاية الخمسينات والتي وثّق فيها تفاصيل من الحرب العالمية الثانية في بولندا والتي كانت الموضوع الاهم للكثير من السينمائيين .. التاريخ والسياسة كانت القيود الواضحة في اعماله.. حتى نهاية الخمسينات وتحديدا عام (1960) عندما تحرر من اعباء السياسة والتاريخ بفيلمه «مشعوذون أبرياء» (1960) الذي قال عنه انه «أكثر أفلامه خلواً من التأثيرات السياسية»، كان هناك تأثر واضح  بالموجة الفرنسية الجديدة، حيث تناول حالة التمرد والعبثية واحياناً ارهاصات الثورة التي سادت خلال فترة الستينات. حيث انشغال الشباب بالبيتلز والجاز واليسار الجديد.
وابتداءً من هذا الفيلم، وبعده «شمشون»  الذي تناول موضوعة الهولوكوست وأعباء الهوية اليهودية في وارسو ..غير فايد وجهته السياسية بالكامل بالضد من النظام الشمولي في بلده.
ليغادر  إلى فرنسا حيث سيبقى هناك حتى انهيار جدار برلين نهاية الثمانينات، وليبدأ سلسلة الأفلام التي تعارض نظام الحكم في بولندا وصولا الى فيلم (فاليسا.. رجل الأمل)، وهو عن سيرة مؤسس حركة التضامن البولندية ليخ فالسيا الذي دق المسمار الأول في نعش الأنظمة الشيوعية عندما قاد الاحتجاجات العمالية في غدانسك،  تقتطع من سيرة الرجل السنوات التي أعقبت انتصار الديمقراطية في هذا البلد.
إذن الفيلم والسيناريو اعتمد الجانب الأكثر ديناميكية في حياة فاليسا وهو قصة حضوره القيادي والطاغي في الاحتجاجات التي عمت بولندا فيما بعد وقيادته لها ثم اعتلاؤه منابر الخطابات المحرضة ، وتعرضه للمضايقات والاعتقالات المستمرة ، كما يرصد المعاناة الشخصية والسياسية التي واجهها في قيادة الاحتجاجات ، ثم حصوله على جائزة نوبل للسلام.  وهو هنا يغطي السنوات ما بين تظاهرات  العمال في الشوارع عام 1970 وخطاب فاليسا في الكونغرس الأمريكي عام 1989 ،فيما يهمل الفيلم الحديث عن السنوات التي أعقبت عام 1990، ومنها الحدث الأهم في اعتلائه منصب الرجل الأول في الدولة عندما انتخب رئيسا لبولندا .
تصدى لإخراج هذا الفيلم ، الذي قال خلال استعداده لتصوير هذا الفيلم : "إنني لا أرغب في ذلك، لكنني مضطر"، مكررا بذلك المقولة الشهيرة التي كان فاليسا قد استخدمها عندما أعلن ترشحه للرئاسة للمرة الأولى.
إن صاحب "الأرض الموعودة"، و"الرجل الحديدي"، وفيلم "كاتين" يدرك الصعوبة التي تكتنف تناول مثل هذه الشخصية ، بسبب الإشكالية السياسية والاجتماعية التي رافقت صعودها المدوي ، والالتباس الواضح في تركيبتها التي أفضت في ما بعد إلى فشلها في تكملة مشوارها السياسي الذي بدأته وسرعان ما انسحبت من الأضواء . حماسة هذا المخرج الكبير لإنجاز هذا الفيلم بوصفه كان احد المعارضين للنظام الشمولي في بولندا دفعته لتقديمه بالطريقة التي شاهدناها ، بل أن هذا الفيلم هو استكمال لموقف فايدا من هذا النظام الذي تجلى واضحا في فيلمه (الرجل الحديدي) الذي انتزع سعفة كان الذهبية عام 1981 في أوج حركة الاحتجاجات في بلده.
تعمد المخرج ، ان من باب الانحياز ، أو من جانب تجنب الخوض في إشكاليات المرحلة اللاحقة لانتصار فاليسا وسقوط النظام الاشتراكي في بولندا، أن يستعرض سيرة هذا الرجل خاصة في أوج تألقه لحظة انتخابه رئيسا للبلاد ثم السلسلة المتلاحقة من الفشل في الاستمرار باللعبة السياسية.
برحيل فايدا لم يبق من الثلاثي الذي وضع اسم بولندا على خريطة السينما سوى رومان بولانسكي بعد ان غيب الموت منتصف التسعينات كريستوف كيشلوفسكي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram