(2-2)عائلة نزار- جواد والأصدقاءقال نزار في مقدمة ذلك اللقاء ردا على سؤأل من المحاور : (كيف بدأت تجاربك القصصية الطويلة الامد نسبيا ؟ ) :(( طالما فكرت في سبب ممارستي الكتابة الى جانب ممارسة الرسم كبقية أفراد اسرتي وقد أقنعت نفسي بأن ذلك كا
(2-2)
عائلة نزار- جواد والأصدقاء
قال نزار في مقدمة ذلك اللقاء ردا على سؤأل من المحاور : (كيف بدأت تجاربك القصصية الطويلة الامد نسبيا ؟ ) :
(( طالما فكرت في سبب ممارستي الكتابة الى جانب ممارسة الرسم كبقية أفراد اسرتي وقد أقنعت نفسي بأن ذلك كان نتيجة لشعوري بالتمرد على بديهية ممارستي الرسم ما دام الكل يرسم وما دام هناك من يبزني في الرسم فعلي أن أجد أداة أخرى يمكنني بها أن أبزهم ( وهو يقصد هنا اسرته , والده وأخوته ) تعرفت على القصة من خلال القصص الكثيرة التي كانت ترويها لي أمي كعنصر أولي في ترويض خيالي كما كنت أقرأ على عمتي العزيزة ما تقع عليه يدي من الروايات والقصص وقدأغنتني مكتبة أخي جواد أني تعرفت في البداية على أقاصيص صديقي خلدون ساطع الحصري التي ينشرها في ملحق جريدة المكشوف البروتية وخلال ذلك كنت مستمرا على أصدار مجلتي الخطية ( الصبي ) – يسميها العلامة الطاهر 🙁 الصبا )– يراجع كتابه عن نزار –
ويستمر نزار بالحديث :
كان والدي يشجعني على المطالعة تضاف الى ذلك حقيقة لا يمكن اغفالها وهي حقيقة الترابط بين الرسم والكتابة بل بين أوجه الفن بصورة عامة وكان ذلك واضحا في جونا العائلي ، فسعاد كان ممثلا ورياضيا ووالدي مقرئا للمقام وجواد كان عازفا للكيتار ونحاتا ورساما وهكذا .. كان بيتنا خليطا من المثقفين والرسامين والكتاب والشعراء)).
مستل عن حسين مردان
الواق واق هو اسم المقهى الذي اتخذته جماعة الوقت الضائع مقرا لها في ساحة عنتر مقابل النادي الاولمبي الرياضي ( نادي الاعظمية اليوم ) وقد اسكنت الجماعة الشاعر حسين مردان في الطابق الاعلى من البناية عند وصوله الى بغداد –بطلب منها – من بعقوبة .
قلت في الكراس الذي أصدرته عن حسين مردان ( مستلا عن ملحق مجلة الاجيال الرابع لعام 1973 ) ص69 ) لسنا نعلم على وجه التأكيد متى بدأ حسين مردان يكتب الشعر لكنا نعلم أن جماعة من اسرة ( الوقت الضائع ) قد اتجهت في 1946 الى بعقوبة بحثا عن شاعرنا الذي عرف ببغداد دون أن يصل اليها الا قليلا , وأن هذه الجماعة قد تألفت من القاص الرسام نزار سليم والقاص عدنان رؤوف ( وهو ليس القاص الدكتور عدنان رؤوف صاحب مجموعة الشخص الثاني ورواية أفكار الرجل الطويل ) والقاص عبد الملك نوري .
كان هدف هؤلاء قضاء وقت ممتع في يوم عطلة والتعرف على الشاعر , وقد كان حسين كريما معهم فصحبهم الى أحد بساتين بعقوبة ليتحدثوا عن الشعروالرسم والقصة وليأكلوا ما حان الوقت .
وفغر مردان فاه متعجبا من ثقافتهم وسعة معلوماتهم واتصالاتهم بالرسامين البولنديين ,وأيقن عندما ودعهم أن مكانه في بغداد هو الذي سيجعل له شأنا كبيرا.
الى بغداد
ولم تمض الا اشهر حتى كان حسين قد وصل المكان الموعود :مقهى الواق واق , احد مراكز جماعة الوقت الضائع , لا شيء يحمله الا دراهم قليلة وكيس فيه ملابسه الزائدة البسيطة .
ورحب به بقية الجماعة ... بلند الحيدري وجميل حمودي واستضافوه في الغرفة البائسة التي تقع فوق المقهى حيث سكن فيها مجانا الى أن انتهت لقاءات جماعة الوقت الضائع بفعل خوف اعضائها من السلطة التي بدأت تراقبهم بعين قلقة رغم عدم تشكيل تمردهم على الحياة الاعتيادية هذا أي ضرر مباشر لها .
علي الشوك يكتب عن حوارات (واق واق)
كان المقهى مقرا للجماعة التي يدقق سامي مهدي كثيرا في اسمائهم ,انظر كتابه عن المجلات العراقية الريادية الصادر عام 1995 ( ط2 عام 2014) وهم :جواد ونزارسليم وعدنان رؤوف وبلند الحيدري وابراهيم اليتيم وساطع عبد الرزاق ومحسن مهدي وحسين هداوي وسلمان محمود حلمي , يجاورهم عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي وحسين مردان ويحاورهم نهاد التكرلي وجميل حمودي وغيرهما .
قصد علي جميل الشوك مقهاهم مرة وكتب عنهم مقالته ( اهداء أهل الفن ... الى مقهى واق واق ) التي نشرت – بعد سنوات- في مجلة ( الاديب ) البيروتية في العدد المشار اليه سابقا.
جواد سليم يتحدث
نقل الشوك حديثا لجواد سليم وهو يتحدث عن قصص موباسان قال :
(( قرأت أمس لكي دي موباسان قصصا قصييرة ( جمال عقيم )و( الرقص )و ( رسالة منتحر ) وغيرها وبعدها وجدت متعة كبيرة ... ولا أبالغ القول أن العبقرية التي صبها موياسان في قصصه تجسمت في حينما تلاشيت في عالم تلك القصص البديعة ... هل تعرفون ذلك الفنان العظيم؟ هل قرأتم له بعضا من قصصه ... أني أسعد منكم حظا انني أنفذ الى روح ذلك الفنان العظيم وأتحسس الجمال الذي فيها )) وهنا يحاول جواد سليم أن يقرأ للجماعة ملاحظات مدونة ويبحث في جيوبه عن الورقة التي دون فيها ملاحظاته لكنه لا يعثر عليها, ويستمر في حديثه المعجب بأدب موباسان القصصي ,وهنا يتحدث بعده صديقه ( يحيى ) الذي لم نهتد الى شخصيته الكاملة ليعتبر موباسان منهلا من مناهل القصة .
هنا يتصدى عدنان رؤوف لهذه الآراء ويقول أن ألفن والادب ليسا قاصرين على صاحبهم القصاص ثم يشير بالنص:(( هل تنسون أدكار ألان بو ؟ هل تنسون بول بورجيه ؟ أميل زولا؟ أنه عبقري كبير )) ويستمر الجدل بين جواد سليم وعدنان رؤوف حول أهمية أدب موباسان حتى دخل الى الغرفةصديقهما توفيق وهو يطلب من الجميع الصمت وادارة مؤشر الراديو
الى اذاعة لوندرة ( لندن ) التي باشرت باذاعة روائع الموسيقى الكلاسيكية لجيلو وفوجاك وساد الصمت واستمع الجمع الى المذياع فترة ثم عاد النقاش هادئا حول موسيقى باخ الذي يحب جواد موسيقاه ويحيى معجب ببتهوفن وعدنان يميل الى الموسيقى الحديثة ولكل مبرراته وتأملاته.
ولابد من الاشارة هنا اننا نتعايش مع اجواء شبان لم يستكملوا ادواتهم المعرفية كاملة لكنهم ارادوا التعبير عن اندماجهم مع التيارات الحديثة ادبيا وفنيا , واستطاعوا ذلك بكل جدارة .
بلند الحيدري يكتب :
عن الوقت غير الضائع
في العدد الاول من مجلة (العلوم ) البروتية لعام 1971 والتي كان يشرف عليها بلند الحيدري , كتب بلند مقالة تحت عنوان ( عن الوقت الضائع وغير الضائع ) ارخ فيه لتجربتهم التي جرت منذ ربع قرن , وقال :
( كانت المحاولة في نظركل الاخر(( وقتا ضائعا)) ...... وطوردنا من مقهى الى مقهى ونحن نحمل وقتنا الضائع أوراقا وأحلاما وجهدا ومعاناة بينهما في الانسان , وهمنا في غير مكان من العالم باحثين عن أنفسنا في هذا الشاعر وذاك الفنان وتلك الرواية , وقلنا : فلنرفض الآخرين قبل أن يرفضوا الوقت الضائع ) وقدم بلند في مقالته القصيرة لمقالة نشرها نزار سليم عن فن شقيقه جواد في العدد الاول من صحيفة الوقت الضائع الصادرة عام 1946 , ونزار في مقالته يصور بداية تأثيرات الحرب العالمية الثانية على الابداع في العراق فيقول :
( رمى البركان الذي لا تزال ترى الدخان المتصاعد من فوهته بعد أن انفجر بحمم بشرية ارتدت لباسها الخاكي وفوق هذه الامواج الخاكية التي جاءت عن طريق خليج البصرة ارتفع زبد أبيض فغسل الشاطئ الرملي ورسم على صفحته تلك الخطوط المتعرجة التي استقاها الفن العراقي الحد يث .
في بغداد كان الشباب العراقي متأهبا ليغتنم الفرصة النادرة التي يسرها له (( مارس )) .... ومن بين هؤلاء كان جواد .
في المقهى السويسري
(هنا يعتبر نزار ان اله الحر ب قد يسر وصول الفنانين البولنديين وينتقل بنا الى أشهر مقهى للمثقفين بشارع الرشيد ايامها ليقول: وارتطمت الموجتان في بغداد فاكتظ المقهى السويسري بأناس غرباء يرتدون الخاكي الا أنهم يتكلمون في الفن
-هات لي يا سليم قهوة باردة
ويرتشف الجميع ما أمامهم وهم يتحدثون ويرسمون .. وهناك قطعة لبرليوز أو شوبان يستمع اليها جنديان بولنديان فيتذكران بولندا وصورهم التي احترقت .
في هذا الجو الغريب المخنوق بالدخان حاول جواد سليم الوصول الى ذاته فتعرف على بعض المتطوعين البولنديين مثل يارما ومانوشاك , وقد ظهر تأثير الفن البولوني على صور جواد في معرض أصدقاء الفن ., الذي اقيم بعدذلك بعام .
اخلص من ذلك أن هذا الجانب الحيوي من الحوارات واللقاءات لم يوثق تماما ,وهو يشكل شيئا يشبه العتمة في الذاكرة الثقافية العراقية فترة توثبها في اربعينيات وخمسينيات القرن العشرين قبل أن ندخل عتبة الستينات.
خلدون الحصري يكشف السلبيات البولونية
يشير نزارسليم الى اهتمام فائق حسن بالصرعة البولونية لكن خلدون ساطع الحصري المقيم في بيروت يرسل رسالة في 12 شباط 1944 فيها الى معرض لهؤلاء اقيم في بيروت ليجدهم فنانين مقلدين لاشخصية لهم , ورسالة الحصري التي حرص نزار على تدوينها جديرة بالنشر كوثيقة تحليلية خلاصتها أن المعرض أقيم في الطابق الثاني من فندق سان جورج وأن هذه الرسومات المليئة بالتقليد والأغلاط الفنية تنتمي الى القرن التاسع عشر وأنه عندما غادر المعرض الى الطابق الاول دخل القرن العشرين!
, لكن نزار يعتبر جواد قد مر بمر حلة التأثير البولونية وصولا الى ما هو أهم وهو اكتشاف الذات العراقية البغدادية , وصياغة بنائه الفني الخاص ,فن جواد سليم المبتكر مثالا ورساما بعد دراسته الفكرية للتجارب الآشورية والبابلية والعباسية وسواها في الفنون واستقراره على طريقة عمل خاصة مبهرة حتى يومنا هذا.
والحديث عن جواد سليم وتجربته الفنية العريضة قضية مهمة لايتصدى لها هذا الموضوع بقدر ما تصدى الى نقاشات المبدعين وهم يبحثون عن ذواتهم الفنية في السنوات الاولى من سنوات ابداعهم ,هم تغيروا بعد هذا وغيروا لكنهم غامروا كثيرا وكانوا جادين دوما حتى في احلامهم.