TOP

جريدة المدى > عام > العالم كما يراه فيلسوف الحداثة السائلة..حوار مع السوسيولوجي الفيلسوف زيغمونت باومان

العالم كما يراه فيلسوف الحداثة السائلة..حوار مع السوسيولوجي الفيلسوف زيغمونت باومان

نشر في: 14 مارس, 2017: 09:01 م

(القسم السادس ( الأخير))
 
زيغمونت باومان Zygmunt Bauman (الذي توفّى قبل بضعة أسابيع) هو من غير شكّ واحد من أكثر علماء الاجتماع تأثيراً على مستوى القارة الأوربية وعلى مستوى العالم كذلك، وتشتمل قائمة كتبه - التي تُقرَأ في كل القارات - نحواً من

(القسم السادس ( الأخير))

 

زيغمونت باومان Zygmunt Bauman (الذي توفّى قبل بضعة أسابيع) هو من غير شكّ واحد من أكثر علماء الاجتماع تأثيراً على مستوى القارة الأوربية وعلى مستوى العالم كذلك، وتشتمل قائمة كتبه - التي تُقرَأ في كل القارات - نحواً من ستين كتاباً واظب على نشرها بمثابرة واضحة منذ أن تقاعد عام 1990 من عمله أستاذاً لعلم الاجتماع في جامعة ليدز البريطانية - ذلك الموقع الذي شغله على نحو مستمر لما يقارب الثلاثة عقود.
الحوار التالي هو القسم الخامس من حوار مع زيغمونت باومان منشور أصلاً بالألمانية في مجلة Das Magazin وكذلك بالإنكليزية في مطبوعة 032c (العدد 29 المنشور في مطلع 2016)، ويُلاحظ في هذا الحوار توزّعه على معظم المحاور التي عمل عليها باومان في كتاباته الكثيرة؛ الأمر الذي يجعل من هذا الحوار ذا أهمية استثنائية في معرفة الخطوط العامة لفكر باومان لمن لم يقرأ أعماله الأصلية.
أودّ في خاتمة سلسلة حوارات باومان أن أشير إلى كتابه الأخير المعنون (اليوتوبيا المُستعادة Retrotopia) المزمع طرحه للأسواق في 13 مارس (آذار) من هذا العام (2017) عن دار POLITY، وأرى من المناسب ترجمة الوصف الذي وضعته دار النشر للكتاب على موقعها الألكتروني :
( لطالما افتقدنا ومنذ عهد بعيد، إيماننا بالفكرة القائمة على أساس أن الكائنات البشرية يمكن أن تبلغ السعادة المرتجاة في دولة مثالية مستقبلية من نوعٍ ما - دولة سبق لِـ (توماس مور) منذ خمسة قرونٍ خلت أن ربطها بمكان مثالي (أرض أو جزيرة أو دولة ذات سيادة) تحت سلطة حاكمٍ ممتلئ حكمةً وعدلاً وخيراً؛ ولكن في الوقت الذي فقدنا فيه إيماننا بكلّ اليوتوبيات - على إختلاف أشكالها - فإن الطموح البشريّ الذي جعل الرؤية اليوتوبية جذابة ومغوية لم يتلاشَ أو ينتهِ إلى العدم بل يطلُّ في عصرنا هذا بهيئة رؤية تركّز على الماضي لا على المستقبل : تتطلّع هذه الرؤية لا إلى مستقبل ينبغي تخليقه بل إلى ماضٍ أهمِل طويلاً لكنه لم يزل حياً يقاوم الموت، وهذا الماضي المتسربل بإمارات الحياة هو مايمكن أن نسمّيه (اليوتوبيا المستعادة (.
إن انبثاق هذا اليوتوبيا المستعادة يتشابك على نحوٍ وثيق مع الهوّة المتباعدة باضطراد بين السلطة والسياسة، وتلك خصيصة ملازِمةٌ لعالمنا السائل الحديث الذي يحتوي حياتنا المعاصرة - تلك الحياة التي باعدت كثيراً بين القدرة على فعل الأشياء والإمكانية على تقرير أي الأشياء، نحن حقاً بحاجة لفعلها قبل سواها؛ وهي إمكانية لطالما نظرنا إليها على أنها صلاحية حصرية مُناطة بالدولة ذات السيادة. إن هذه الهوة المتباعدة جعلت (الأمة - الدولة) غير قادرة على الإيفاء بما كانت وعدت به؛ الأمر الذي نجم عنه استياء واسع النطاق، تجاه فكرة أن المستقبل سيرتقي بالحالة البشرية على نحوٍ محتّم وكذلك شيوع عدم الثقة بقدرة كلّ تشكّلات (الأمة - الدولة) السائدة على تحقيق هذا الإرتقاء البشري. إن الأوجه المتخيّلة لهذه اليوتوبيات المتخيّلة (سواء كانت أصيلة أم مُفترضة) تخدم في عالمنا المعاصر كمثابات رئيسة في رسم خارطة طريق نحو عالم أفضل، وهذا هو مايفعله (زيغمونت باومان) في واحدة من اليوتوبيات المستعادة التي يسائل مرتسماتها من خلال تشريحه الدقيق لهذه الملاعبة الرومانسية المعاصرة مع الماضي.
المترجمة

المحور العاشر : المستقبل
*  أنت ناقد لاينفك عن نقد مجتمعنا المعاصر، وثمة بين الوقت والآخر لمحات من الماركسيّ الذي كنتَه يوماً ما تظهر في ثنايا كتاباتك الناقدة؟
- في برهة من حياتي السابقة اكتشفت أنطونيو غرامشي الذي وفّرت لي فلسفته انصرافاً نبيلاً خارج حدود الماركسية؛ غير أنني لم أصبح في يوم لاحق معادياً للماركسية مثلما فعل الكثيرون. تعلّمتُ الكثير من ماركس، ولازلت حتى يومنا هذا، مشدوداً للفكرة الاشتراكية التي ترى بأن مقياس أي مجتمع يجب أن يكون على أساس نوعية الحياة التي يوفّرها لأفراده الأكثر ضعفاً وقدرة (على جميع الأصعدة).
*  ولكن من جهة أخرى أنت متشائمٌ إلى حد بعيد. باتت قدرة الرأسمالية الجديدة متعاظمة وبلغت حدوداً لم يبقَ معها سوى حيّز ضئيل للغاية أمام أي بديل محتمل عنها . أليست هذه الحقيقة مدعاة لليأس؟
-  اعتدتُ بعد نهاية محاضراتي، أن أرى الكثير من الأيادي المرفوعة بين الحضور والتي تبتغي سؤالي عن السبب وراء تشاؤمي الخطير، وعلى العكس من هذا عندما أتحدّث عن الاتحاد الأوربي؛ إذ غالباً مايسألني الحضور عن سبب تفاؤلي المفرط. يظنّ المتفائلون أن هذا العالم هو الأفضل بين كلّ العوالم الممكنة، ويخشى المتشائمون من أن يكون المتفائلون على حقّ في رؤيتهم . بالنسبة لي، فأنا لا انتمي إلى أيّ من الفريقين، وأرى طريقاً ثالثاً يمكن أن أعدّ نفسي من روّاده - ذلك هو طريق الأمل .
*  كيف تتّفق رؤيتكَ هذه مع إعجابك بِـ ( ميشيل ويلبك*): الكاتب الأكثر إثارة للكآبة في يومنا هذا؟
-  أحبّ ويلبك بسبب بصيرته الحادة وموهبته في حدس الشأن العام في سياق التفاصيل الخاصة، وفي كشف الغطاء عن القدرات   الداخلية المخبوءة للمرء، وقد فعل كل هذا في عمله المسمّى (إمكانيّة وجود جزيرة) الذي أراه العمل الديستوبيّ الأكثر استبصاراً حتى اليوم، بشأن المجتمع المتشظي والفاقد لكل الضوابط الحاكمة والفردانيّ حتى النخاع في عصر الحداثة السائلة التي نحياها. يعبّر ويلبك عن شكوكه العميقة في كل اعماله ولايُبشّر بأيّة آمال عريضة  وهو لايفتأ يوفّر أسانيد لتقييمه الكئيب للمجتمع البشري. أنا لستُ متفقاً بالكامل مع طروحاته؛ غير أني مررتُ بأوقات عصيبة وأنا أحاول تفنيد تلك الطروحات، ويمكن مقارنة ديستوبيا ويلبك مع عمل أورويل (1984)؛ غير أن أورويل كتب بشأن مخاوف جيله، أما ويلبك فوصف الكيفية التي سنغدو عليها إذا ماواصلنا العيش على ذات الطريقة التي اعتدناها: الشكل الأعلى من الوحدة، التباعد والانفصال الكامل عن الآخرين، والشعور بلاجدوى الحياة وانعدام المعنى فيها .
*  وأين يكمن الأمل إن كان ثمّة مابقي من أمل؟
-  ثمّة أمر في غاية الأهمية تفتقده أعمال ويلبك: فقدان سلطة السياسة (كما فقدان سلطة الفرد) ليستا المثلبتين الوحيدتين اللتين ينبغي توجيه اللوم لهما بشأن قتامة مشهد عالمنا الحاضر، ولكن يمكن أن يكونا سبباً لايمنع من إمكانية عكس المشهد القاتم. التشاؤم ينطوي على فعل سلبيّ لأنه يعني عدم فعل شيء مؤثر بسبب القناعة الراسخة بأن لاشيء يمكن تغييره، لكنني لستً شخصاً غير فعّال: أنا أكتب الكتب وأطيل التفكير كل آن، كما أنني شغوف بأمر العالم، وأرى أن دوري هو أن أنبّه الناس بشأن المخاطر المحيقة بهم وأن يفعلوا شيئاً لتفاديها.
* ميشيل ويلبك Michel Houellebecq :  مؤلف ومخرج سينمائي وشاعر فرنسي ولد عام 1956، يعتبره معجبوه خليفة للماركيز دي ساد وشارل بودلير. أشتهر برواية (1994) وفاز بجائزة غونكور سنة 2010 عن روايته (الخريطة والأرض). (المترجمة).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الحصيري في ثلاثة أزمنة

الهوية والتعبير الاسلوبي.. مشتركات تجمع شاكر حسن واللبناني جبران طرزي

موسيقى الاحد: احتفاليات 2025

رولز رويس أم تِسْلا؟

جُبنة ألسخوت(*)

مقالات ذات صلة

رولز رويس أم تِسْلا؟
عام

رولز رويس أم تِسْلا؟

لطفية الدليمي كلّما سمعتُ شاعراً أو كاتباً يقول:"أنا كائن لغوي. أنا مصنوع من مادّة اللغة" كان ذلك إيذاناً بقرع جرس إنذار الطوارئ في عقلي. هو يقولها في سياق إعلان بالتفوّق والتفرّد والقدرة الفائقة على...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram