تظل القصيدة الجادة قصيدة هم إنساني، والقصائد الكبيرة كبيرةٌ بموضوعاتها وعوالمها الفنية التي تسع تلكم الموضوعات الصعبة أو الأزلية. وقد يهمنا الوضع البشري او الروحي الذي تبنته القصيدة وكبرت بكبره، لكن لا يشغلنا هذا عن مزايا لأنماط من الشعر أخرى. لسنا ب
تظل القصيدة الجادة قصيدة هم إنساني، والقصائد الكبيرة كبيرةٌ بموضوعاتها وعوالمها الفنية التي تسع تلكم الموضوعات الصعبة أو الأزلية. وقد يهمنا الوضع البشري او الروحي الذي تبنته القصيدة وكبرت بكبره، لكن لا يشغلنا هذا عن مزايا لأنماط من الشعر أخرى. لسنا بصدد مناقشة هذا الأمر او هذا الاختلاف، لكننا نوّهنا بهذا لنقول: اننا لا نرى من سلامة الرأي أن يقتصر اكبارنا على شعر الهموم الانسانية الكبيرة وحدها، ويهون في نظرنا نمط من الشعر آخر، هو شعر حيّ، ساخن ويعيش حيث نعيش، فهو يشاركنا الشارع والمائدة. شعر فيه رُقى ولمسات سحر ووخزُ استهانةٍ كاشفة وسخرية وضوء تنبيه لوجود الحياة او لتذكرنا بها ونحن في الصخب اليومي واللهاث وراء الخبز أو اللاشيء..
نحن الآن امام شاعر لا يريد هو أن يكون شاعراً كبيراً قدر ما يريد ان يكون حياً وقريباً. انه شاعر يحسّ ويرصد ويلتقط الصورة، ثم يمضي ليكمل تمتعه بالحياة.
هذا الشاعر يبيع عشرة ملايين نسخة مجلدة (وهذه عادة اقل كثيراً من ذوات الأغلفة الورقية)، وشاعر غنائي، غنائي يكتب قصائد تغنّى وأخرى تؤكل مع الساندويتش وترتشف مع النبيذ، وشاعر سجلت بعض اشرطته أكثر من 180000 شريط، ويُتَرْجَم الى العديد من لغات العالم، وهو مؤلف موسيقي تعزف موسيقاه وسيمفونياته في اكثر من بلد، ومصور فوتوغرافي تصور لقطاته كتبه الجميلة، إن هذا لظاهرة كبيرة نشخص اليها ونضعها مع الأسماء التي نقدر عالياً في الفن وفي الحياة. ومعرفة هذا الشاعر وفهم ظاهرته فهما واقعياً على وفق منطق العصر وطبيعته الحديثة، يقربنا لمعرفة شعر عصرنا وللاقرار بظواهره.
بتنازل قليل عن الابهة المفرطة لارستقراطية الأدب أو (باروكيته) نتوقف أمام مكوين Rod Mckuen ونتأمله بهدوء وموضوعية، مثلما تدرسُهُ و تدرّسُهُ الجامعات، نتعرف عليه مثلما تعرفه الشوارع ومعاهد الدراسة، المسارح ومراكز الفنون والمكتبات. بهذا نكون ناساً واقعيين في فهم عصرنا، وموضوعيين في تقدير مزايا الظواهر الجديدة في الشعر، مقارنة بالاكاديمية، أو المدرسية، أو المحافظة أو التقاليد الشعرية الراسخة.
قصائد رود مكوين الموجزة، البسيطة، السهلة والمفعمة بالروح اليومي والمعنى، جعلت منه شاعرا شعبياً في أكبر عواصم هذا العصر بذخاً وانقلاباً وبحثاً وتقليعات...
بايجاز هو شاعر يبيع من دواوينه ملايين النسخ دون أن يخسر جوهر الشعر واحترام النقد، ولم يربك معاييره... هو شاعر حائر بنفسه، بروحه، وسط هذا العالم الصاخب:”لعلي وحيد أكثر مما يجب، أحاول أن أجد لي أماناً داخل نفسي.”هذا ما يقوله مكوين، وهذا ما يفتح لنا نافذة لرؤية ما يجري، لفهم سبب محبة الناس له ولهفتهم على سماعه أو قراءته، انهم جميعاً، يبحثون عن الحياة أو عن الحميمية أو عن أمان داخل النفس.
لقد كشف لنا هذا القول عدم ابتعاد هذا الشاعر عن جوهر الشعر، وحين نعلم أن عنواناً واحداً من اكثر دواوينه شهرة هو:”وحيداً"، وان عنوان ديوان ثان له هو:”يداً بيد”تتأكد سلامة رأينا في فهم ظاهرته الشعرية، وإن نسخاً بهذا العدد الكبير، لا تُشترى دونما سبب جوهري. ومن مكملات السبب”المدرسي”الذي ذكرناه انه شاعر يحسن التعبير بشعره وبموسيقاه وبكاميرته. وهو بكل انجازه الفني مجتمعاً وجد عالمَهُ، وجد أيضاً”أُلفَتَه”للعيش في المدينة الامريكية المعاصرة واعتاد خفة اصطياد الرؤى فيها. شعرُهُ، أيضاً؛ له أضواء ملونة، تماماً مثل الاستوديوهات ومثل المخازن في العاصمة...
شباك بيضوي
في الحمام،
في بيتي في تريس فيداس
شباك بيضوي
محاط بالاعناب
كل مساء
أو تقريباً كل مساء –
وزغة ( )
وحيداً يأتي يجذبه الضوء
يعلق بزجاج ذاك الشباك
حتى الصباح
لأني في الداخل
أرى جهته السفلى
جميلة ساكنة بيضاء
أتمنى أن لنا
لغة لقاء،
أريد أن اعرف عن أمره
يبدو جد وحيد،
وغير خائف
تجتذبني الأشياء
المستوحدة.
قصيدة
الرائحة تمضي أولاً
الرائحة التي في الغرف
المغلقة
حين تكون النساء
حاضرات
لا رائحة قهوة
لا وخمة عرق
من حمام،
لا رائحة شعر
على الوسادة،
لا رائحة أفرشة
لم تغير من زمن،
أبقيت الشباك
مغلقاً طيلة النهار
أحاول أن احتفظ
بشيء بقي
منكِ
والآن، للظلمة مثل فرقعات النار
تتوالى في أذني
أحاول أن أنام
في ذاك الفراش الذي لم
يُغَيَّر استدعي الصور القديمة
لآتي
بذلك المساء سليماً
الحاجة
(ست وثلاثون)
لطيف أحياناً
أن نفتح القلب
ندع بعض الألم يدخل
ذلك برهان على أنا
أحياء.
ان لم يقل لك
شيئاً آخر –
نقيا مثل هواء التلال
العالية
أو غير مريح
مثل العوم في ماء بارد –
فأنا هنا
أشعر، بما أشعر به
من تعاسة.
لست متأكداً،
لم لا نستطيع نفض
حبيباتنا القديمات
من أذهاننا
حتم،
نحن نعيش على الذاكرة
ونجعل منهن
أكثر مما كُنَّ،
هل الكاميرا (التي في يدي)
أفضل آلة مأمونة
تصور الجدار؟
يوماً سأتبع الطيور
يوماً سأتبع الطيور
اختفي في المطر
امضي عجلان وانتهى
فَرِحاً بالطيران ثانية
غيرَ دارٍ بشيءٍ، أجري.
هنالك جراح
لن أتحدث عنها
أشياء
فعَلَتْها بي الكلمات
لن يعرفها أحد.
لكني في يوم رمادي
سأتبع جنازة خارج البلدة
ثم
على آثار الطيور
اختفي في المطر
أكتب لي قصيدة
اكتب لي قصيدة
اصنع لي أغنية
أرو لي قصة
لا أعرفها
حدثني بتؤدة
عن الجمر والجمعة ( )
وقل لي كم جميل هو التمشي وحيداً.
لا تأكيداً،
ولكن سبباً أحتاج.
ولأن الربيع في النافذة
يبطئ النهار
لذا، اكتب لي قصيدة
من بضع كلمات
طاقتي على الإصغاء
خمسة أبيات، لا أكثر