نبدأ هنا بالتعرف في باريس على خمسة أصدقاء. فنجد أحدهم (رامون) يمشي إلى جوار معرض شاغال الجديد، لكنه يتخذ قراراً ضد الزيارة ــ ليس للمرة الأولى، ولا الأخيرة ــ بسبب صفوف الزائرين. وآخر، (دارديلو)، يعود من عيادة الطبيب، حيث علم أنه غير مصاب بالسرطان ــ
نبدأ هنا بالتعرف في باريس على خمسة أصدقاء. فنجد أحدهم (رامون) يمشي إلى جوار معرض شاغال الجديد، لكنه يتخذ قراراً ضد الزيارة ــ ليس للمرة الأولى، ولا الأخيرة ــ بسبب صفوف الزائرين. وآخر، (دارديلو)، يعود من عيادة الطبيب، حيث علم أنه غير مصاب بالسرطان ــ ولو أنه يخبر رامون بأنه مصاب به. وهناك تشارلس، صديق رامون، ويعمل منظم حفلات، سيقوم قريباً بتموين حفلة عيد ميلاد دارديلو. وهو يفعل ذلك مع صديق له، كاليبان، ممثل من دون مهنة تمثيل، والذي يحاول بانهماكه بالخدمة أن يجعل من نفسه أكثر أهمية مما هو في الواقع، وذلك عن طريق التظاهر بأنه مهاجر يتكلم فقط بهُراء لا معنى له يدعوه هو بأنه " باكستاني ". ( ولكن هذا لا ينفع). ثم هناك ألين، الذي لديه قضايا تتعلق بهجران أم.
وما يتبع تعرفنا هذا على "أبطالنا" هؤلاء ــ وكلهم ذكور، ولذلك مغزاه ــ مجموعة ضئيلة من لحظات السرد العادي، مكوَّنة من أجل السماح لمحركهم الروائي للرقص حول ما يأمل في قوله. ما هو موضوعه اليوم؟ الحقارة. (لم يخشَ هذا الروائي الاستثنائي أبداً من الأسماء التجريدية) .و (مهرجان الحقارة) هي الرواية الأولى للكاتب الفرنسي التشيكي المولد ميلان كونديرا في أكثر من عقد من الزمن. ويحيط العنوان بالمنطقة الثيمية thematic للكتاب، لكنه يُظهر أيضاً الكثير فيما يتعلق بالموقف التأليفي: إنه يقوم بمجازفة (إذ كم هو مهم للقارئ تتوقعون أن يكون الاحتفاء بالحقارة؟)، لكنه بالمطلق واعٍ تحديداً بذلك. والسؤال هو: هل هناك مكسب يعادل تلك المجازفة؟ إن تعقّب قصص هؤلاء الأصدقاء، حكاية نادرة عن ستالين وهو يذهب لصيد الطيور، ولقاءاته مع موظفين في الكرملين، وبوجه خاص كالينين البائس الذي كان يعاني من البروستات، ونسجه الحاذق لعالمه المجنون إلى قصة الأصدقاء الباريسيين، هو بالتأكيد جزء من مكسب الرواية.إن شخصيات كونديرا، مثلما هم في الواقع، لا يعيشون فقط حيوات من التفاهة التمثيلية representative، إنهم يعبّرون بوضوح عن سعيٍ إلى معنى يتردد خالقهم في منحهم إياه. فمعظمهم يكافحون الحقارة، لكن رامون وحده الذي يكتشف مسرات الاتّصاف بها، في أثناء سعيه من أجل ذلك الشيء الأكثر تفاهةً، "المزاج الطيب". وذلك كله، بالنسبة لمؤلفنا التطفلي، لعبة، كما هو واضح، لأنه يعابث قرّاءه أيضاً ، ويتحدانا أن نلتمس معانيَ، (كعادتنا) حيث لا وجود لها. وهناك لحظات رمزية على نحوٍ موحٍ، وقدر كبير من السطح الظاهر، لكن ابحثوا عن معنى أعمق خلفه وسوف تجدون ــ بشكل مدروس تماماً ــ أنه ليس من شيء هناك ... ربما هو النكتة علينا؟ (ولو أننا، زعماً، في سن ‘ما بعد النكات) ويأتي هذا من الكاتب الذي استهل مشواره الأدبي قبل 48 عاماً بـكتاب (النكتة) عام 1967.وكونديرا، بطبيعة الحال، كاتب له أسلوبه الذي لا يُضاهى. فأينما تكون هناك مسرات في هذا الكتاب، فإنها من الأمور المبتدَعة التي تذكّرنا بما يمكن لهذا الأسلوب أن يفعل. وكما يمكن لكم أن تتوقعوا، فإن (مهرجان الحقارة) عمل يتّسم بالذكاء. لكن الذكاء غير مُرضٍ، والذكاء لوحده لا يكفي. وبالطبع، ليس هناك مَن يقرأ كونديرا من أجل حبكة ديناميكية أو تصوير إنساني وافر؛ لكن مع شخصيات بهذه اللا شخصية فإنك تحتاج إلى بعض الإثارات الفكرية ذات الفولطية العالية ، أو إلى فطنة، أو في الأقل إلى إحساس بالهزل المحض لتعويض ذلك النقص المتعمد في التأثير. وبدلاً من ذلك لدينا شيء ما حزين نوعاً ما، مع تحمس متقلب، وبعض التفلسف بالأسماء، وممانعة شديدة لأي أثر من الجدية. إنه طواف حول فِكَر الحقارة، المكبوحة، البعيدة، المثيرة للفكر إلى حدٍ ما، طواف موجز ومحترس، وليس بالطواف اللعوب، الوافر، النشيط، الذي ليس بالهزل البتة، كما هي حال المهرجانات.
عن: Spectator