رحل عن عالمنا الرسام العراقي كامل حسين، رحل وهو في قمة حيويته في انتاج اعمال الرسم وفي تحقيق تحولات اسلوبية في طريقته في الرسم.. وقد كان كامل حسين انسانا دون مطامح تتعدى حدود مطامحه في انتاج الرسم بشكل يُعد اضافة ولو بسيطة للرسم العراقي .. وقد تجسدت
رحل عن عالمنا الرسام العراقي كامل حسين، رحل وهو في قمة حيويته في انتاج اعمال الرسم وفي تحقيق تحولات اسلوبية في طريقته في الرسم.. وقد كان كامل حسين انسانا دون مطامح تتعدى حدود مطامحه في انتاج الرسم بشكل يُعد اضافة ولو بسيطة للرسم العراقي .. وقد تجسدت البساطة في تجربة كامل حسين في تخطيطاته بشكل خاص عبر الأسلبة التي كان يفرضها على عناصر تجربته من خلال اعتماده على خط خارجي منفرد يحيط الأجساد الهلامية لكائناته، وهو محيط كفافي، بمعنى خاص لاه أو لا يحيط مساحة لونية، وثانيا لا يعزل مساحتين لونيتين عن بعضهما، وان هاتين المنطقتين ان وجدتهما بشكل افتراضي فهما داخل وخارج الكائن، فهو إذن ليس خطاً يفصل منطقتين لونيتين عن بعض.
لقد تجسدت البساطة في الاعمال الملونة لكامل حسين عبر: وجود شكلي ووجود لوني، فكانت اعماله الملونه اشكالاً تنحو نحو البساطة الخطية من خلال رغبة عارمة في الانغماس بأسلبة لا حدود لطموحها في الاقتراب من الخط، فكانت تغالي في نحافتها المضطردة، بينما تطمح تخطيطاته في العودة الى أزلها النقطي، فالشكل عند كامل حسين، ونحن نعني بالشكل التجسدات التمثيلية التشبيهية البشرية باعتبارها التجسد العياني المتبقي عن عملية الأسلبة التي انتهت الى آخر مراحل بساطتها، فان هذه الاشكال قد تشكل مرحلة وسطى مابين البعد الواحد الخطي ومابين البعدين اللذين هما الحد الادنى الذي يكفل امكانية ان يكونا شكلا، وشكلا بشريا بشكل محدد.
نخلص من كل ما ذكرنا ان الاشكال في تجربة هذا الرسام تنخرط في لعبة أسلبة دائمة، فلا يتبقى منها سوى الفكرة منزوع عنها كل تفاصيلها التي يؤمن كامل حسين انها فائضة عن حاجة الفكرة لديه، فهو يؤمن ان الفن الحديث ماهو الا نزوع للخلاص من التفاصيل الفائضة عن (الشكل الجوهري)، وهو ابسط شكل ايقوني للفكرة، لذا نجد لوحته مكتظة بحشود الاشباح التي تزاحم وتتكئ على بعضها بسكون وئيد.
لا يركز كامل حسين على الفعل التقني بالرسم من اجل التوكيد بأن الرسم ممارسة تقليلية في اللون والشكل معاً، وبذلك فهو لا يطرح فهماً أدمنه الثمانينيون (كريم رسن، هاشم حنون، هناء مال الله، وغيرهم) الذين آمنوا ان السطح بذاته كافٍ لإيصال الفعل الجمالي، بينما كان كامل حسين مؤمناً ان السطح التصويري ناقل لدراما، هي جوهر الرسم، او مشداته الرابطة التي تمنعه من ىالترهل، سواء كان تمثيلياً او تجريدياً.
لقد كانت تجربة كامل حسين منذ بداياته الاولى التي ابتدأت بمعرضه الذي أقامه في كاليري 75 في البصرة، امتثالا لما اسميته قانون بيكاسو، وهو الذي يؤكد ان لا تجريداً محضاً، وان لا مناص من البدء بالمشخص وتجريده، وان الايغال بالتجري لن ينهي وجود مشخصات الواقع التي كمنت في اللوحة دونما انمحاء، وان اختفاء علامة الواقع لن ينهي روحها التي كمنت في جوهر اللوحة الذي تمثل اولا بشكل بشري صريح، ثم الى كائن جايكوميتي مؤسلب ظل عالقاً في التجربة منذ ايام تلمذتنا معاً على يـــد الرسام سلمان البصري.
ان هذا التحول القياسي نحو التجريد يحسب لكامل حسين ويفرده عن الكثير من مجايليه، فقد ظل الدفق الانساني كامناً، وفاعلاً في كل تحولات تجربته، فحتى وهو يصل بتلك التجربة الان الى مديات تجريدية تختفي فيها اشكال المشخصات، نجد ان الروح الانسانية مازالت دافقة فيها، لذلك لا يجد كامل حسين نفسه مضطراً الى اضافة علامات مصطنعة تعيد لوحته التجريدية الى الواقع بعد الانتهاء من انجازها كما يفعل الرسامون الذين يرسمون تجريداً خالياً من جينات الواقع.
لم يكن كامل حسين يبني لوحته من مشخصات الواقع والجسد الانساني فقط، وانما كان يبني لوحته من علامات اللون من خلال ضربات وسحنات شكلت علامة فارقة لتجربة كامل حسين، فكانت تلك الضربات تتخاطف على سطح اللوحة جيئة وذهاباً باتجاه ارتفاعي، وتبدو وكأنها ترددات صدى بعضها بعضا، مخلفة آثارها التي يتفرسها المتلقي ليكشف عما تخلف عنها من معانٍ شكلية تعينه على تلقي اللوحة.ان آخر المراحل التي انتهى اليها كامل حسين، وهي تبدو للكثيرين تجريدية خالصة، هي في جوهر التعبيرية الشفيفة التي انغمس فيها الرسام منذ بداياته الاولى وما زال وفياً لها حتى آخر تحولاته.