من المؤكد أنّ إكمال تحرير ما تبقى من الموصل ونينوى، لم يعد سوى مسألة وقت. إذ إنّ العمليات باتت تدور في رقعة محدودة جدا، قد تستغرق بضعة أسابيع في أسوأ الاحتمالات.
واليوم تكون عمليات تحرير الموصل لوحدها، قد دخلت في شهرها التاسع. فقد استغرقت السيطرة على الساحل الايسر 3 أشهر، بينما تستمر العمليات لاستعادة الجانب الغربي منذ اواسط شباط الماضي. وسنحتاج عاماً آخر لتأمين الشريط الحدودي، واستعادة ما تبقى من شمال الانبار.
جميع العراقيين، ينتظرون ان تُطوى صفحة داعش، فيما ينتظر ملايين النازحين العودة الى مدنهم ومنازلهم التي تركوها، على أمل استئناف حياتهم التي اختطفها مدّ إرهابي عاتي حظي بدعم وتسهيلات مخابرات إقليمية ودولية.
كان بالإمكان ان نحتفل بالنصر في الموصل، بتكلفة أقل مما تكبدتها المدينة، فيما لو أُديرت المعارك بطريقة مختلفة من التي سارت عليها. فبدلاً من انطلاق العمليات من أكثر من جبهة ومحور، قررت القيادة اقتصار العمليات على المحور الشرقي، رغم وجود جهد عسكري واضح في المحورين الجنوبي والغربي.
وهذا ما طمأن داعش من عدم حدوث مفاجآت، وسمح له بتشييد استحكاماته والمطاولة في قتال المدن والشوارع. ولم ينهزم داعش في شرق المدينة، إلّا بعد رضوخ القيادة العسكرية لفتح محاور أخرى.
القرار الغامض ذاته اعتمد في الساحل الايمن، إذ اقتصر التقدم من المحور الجنوبي، وتركت القوات المنتشرة في الشمال والغرب بانتظار مشاركتها بالعمليات. ولم يندحر التنظيم إلّا بعد تحرك الجيش في المحور الشمالي، والتحاق الشرطة الاتحادية بقتال الجنوب.
ثمن هذه الخطط والقرارات كان باهظا بعد أشهر من القتال. فبحسب نواب ومسؤولين موصليين فإن 70% من الساحل الايمن بات مدمراً، وقريب من هذ النسبة في الساحل الايسر. وفيما لم تسجل عمليات الساحل الشرقي مقتل مدنيين، فإن العمليات الحالية أوقعت المئات منهم بيد قنّاصة داعش، والقصف الخاطئ لطيران التحالف.
الآن وبعد أشهر من بدء العمليات، يظهر جلياً سرّ التوقيت الذي تزامن مع الانتخابات الاميركية، وسرّ تكرار الحديث عن إكمال التحرير قبل نهاية عام 2016. ومن هنا نكتشف أنّ خارطة العمليات لم تكن ترسم برؤية ستراتيجية من شأنها تقليل الخسائر، وتعظيم مكاسبنا في حربنا مع الإرهاب، بل اكتشفنا تدخل عوامل سياسية واخرى اقليمية في ذلك. فبدلاً من تحرير الحويجة وإكمال تحرير الشرقاط، قررت القيادة الذهاب شمالاً. وعندما تقدمت القطعات من المحور الجنوبي بوقت قياسي تم تجميدها، وترك جهاز مكافحة الإرهاب يعاني من استنزاف في الساحل الأيسر.
وبدلاً من الإطباق على تلعفر، التي تحاصرها قوات الحشد والجيش منذ أشهر، والانطلاق من شرقها للمشاركة بعمليات الساحل الايمن، وُجّهت هذه القوات نحو منطقة الجزيرة الصحراوية. وعندما تمكن الحشد من تحرير الشريط الحدودي في البعاج، يطلب منه الآن العودة الى الحويجة أو تلعفر، رغم وجود إمكانية للتوجه الى القائم.
كل هذه الفاتورة القاسية يمكن تحمّلها فيما لو تعلّمت الحكومة وأجهزة الأمن درس داعش الفادح، وقامت بتحليل النتائج ورسم ستراتيجية وطنية لمواجهة التنظيم الإرهابي بشكل جذري.
إلّا أنّ المعطيات، للأسف، لا تبشّر بخير. فسيناريو الإفراج عن الدواعش والمتعاونين معهم الذي شهدته الانبار بعد تحريرها، مرشح للعودة بقوة الى الموصل، بفعل فساد أجهزة الامن والقضاء.
ومتى ما وضعت رؤية متكاملة، أمنيّاً وسياسيّاً ودينيّاً، لمواجهة آثار داعش ومنع عودته إلى المناطق المحررة، عندها يمكن الاحتفال بالنصر مهما كان باهظاً.
نصرٌ باهظ على داعش
[post-views]
نشر في: 21 يونيو, 2017: 07:03 م