TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ما الذي عرفه العرب من الشعر اليونانيّ؟

ما الذي عرفه العرب من الشعر اليونانيّ؟

نشر في: 7 أغسطس, 2017: 09:01 م

إذا أخذنا هوميروس المعروف عند العرب مثالاً، لا شيء تقريباً. مرويات ابن أبي أصيبعة وابن القفطيّ وابن العبري والتوحيديّ والبيرونيّ التي تَنْصَبُّ كلها على ذكر هوميروس (أو أوميروس الشاعر)، تشدّد على أنه "رئيس شعراء الروم" وأعظمهم. ماذا كان يُنشد، وفق (طبقات الأطباء)، حنين بن اسحاق بالرومية من أشعار هوميروس في عهد المأمون؟ نجهل تماماً. ما ينقله ابن العبري لهوميروس ليس من الشعر بل من الطرفات: طلب أنابو  الماجن من هوميروس أن يهجوه طمعاً بالشهرة، فأبى هوميروس فهدّده بالشكوى إلى رؤساء اليونانيين "فأُشْعِرهم بنُكُولك”. قال أوميروس مرتجلاً: بلغنـا أن كلباً حاول قتل أسد فامتنع عليه أنفةً منه، فقال له الكلب: إنني أمضي فأُشْعِر السباع بضعفك. قال له الأسد: لأَنْ تعيِّرني السباع بالنُّكُول عن مبارزتك أحبّ إليّ من أن ألوّث شاربي بدمكَ".وأكثر من ينقل عن هوميروس، هو الشهرستانيّ في الملل والنحل: "فمن ذلك قوله (لا خير في كثرة الرؤساء). [...]. وفي الحكمة: (لو كان أهل بلدٍ كلهم رؤساء لما كان رئيسٌ البتَّة، ولو كان أهل بلدٍ كلهم رعية لما كانت رعيةٌ البتَّة). ومن حكمه قال: (إني لأعجب من الناس، إذ كان يمكنهم الاقتداء بالله تعالى فيدَعون ذلك إلى الاقتداء بالبهائم! قال له تلميذه: لعلّ هذا إنما يكون لأنهم قد رَأَوْا أنهم يموتون كما تموت البهائم. فقال له: بهذا السبب يكثر تعجبي منهم، مِنْ قِبَل أنهم يحسّون بأنهم لابسون بدناً ميتاً، ولا يحسبون أن في ذلك البدن نفساً غير ميتة). وقال: (من يعلم أن الحياة لنا مستعبِدة، والموت مُعْتِق مُطْلِق... آثرَ الموت على الحياة). وقال: (العقل نحوان: طبيعيّ وتجريبيّ، وهما مثل الماء والأرض، وكما أن النار تذيب كلّ صامت وتخلِّصه وتمكّن من العمل فيه، كذلك العقل يذيب الأمور ويخلِّصها ويفصلها ويُعِدّها للعمل. ومن لم يكن لهذين النحوين فيه موضع فإن خير أموره له قصر العمر). وقال: ( إن الإنسان الخيِّر أفضل من جميع ما على الأرض، والإنسان الشرير أخسّ وأوضع من جميع ما على الأرض). وقال: (لِنْ تَنَلْ، واحْلُمْ تَعِزّ، ولا تكن معجَبا فتُمْتَهن، واقهر شهوتك فإن الفقير من انحط إلى شهواته). وقال: (الدنيا دار تجارة، والويل لمن تزوّد عنها الخسارة)".وكلّ ذلك من الحكم والشذرات وليس من الشعر بالضرورة. هل بسبب استحالة نقل شعر هوميروس كما يذكر أبو سليمان السجستانيّ: "وقد نقل اصطفن شيئاً من أشعاره من اللغة اليونانية إلى العربية. ومعلوم أنّ أكثر رونق الشعر ومائه يذهب عنه [في] النقل، وجلّ معانيه يتداخله الخلل عند تغيير ديباجته" (صوان الحكمة وثلاث رسائل). أم لسبب آخر؟ في رأينا، لسبب يتعلق بتذوُّق الشعر، وقبل ذلك بالمفهوم الذي تحتفظ به الثقافة العربية للشعر وأوزانه وبنائه وأصواته.هل فُهم مصطلح (بويطيقا أو أبوطيقا = فن الشعر) اليونانيّ حقاً في الثقافة العربية؟ أفْضلُ من نقل التصويت اليونانيّ للمفردة الدالة على فن الشعر هو ابن النديم في الفهرست، عندما تحدَّثَ عن أرسطو قال: “الكلام على أبوطيقا ويقال بوطيقا معناه الشعر، نقله أبو بشر متى من السريانيّ الى العربيّ، ونقله يحيى بن عدي وقيل إن فيه كلاماً لثامسطيوس ويقال إنه منحول إليه، وللكندي مختصر في هذا الكتاب..”. أخوان الصفا أو ما صَحَّفه النساخ في رسائلهم، يذكرون في "العلوم المنطقيات خمسة أنواع”: أولها أنولوطيقا وهي معرفة صناعة الشعر..”، وهذا خطأ، المقصود بويطيقا (poiêtikês) = فن الشعر، فأنولوطيقا هي (Analytics).عندما نعيد اليوم مراجعة كتاب "فن الشعر" بترجماته القديمة نجد أن أبا بشر متي القنائي يتحدث عن "صناعة الشعراء"، والفارابي "رسالة في قوانين صناعة الشعراء"، وابن سينا "في الشعر مطلقاً وأصناف الصيغ الشعرية”، وابن رشد "تلخيص كتاب أرسطوطاليس في الشعر”. وفي جميعها لا استشهاد ببيت واحد من شعر هوميروس أو غيره، بل أن ابن رشد يدعم نصّ أرسطو بالاستشهادات الشعرية العربية الكثيرة.مفارَقة: عرفت الثقافة العربية الفلسفة اليونانية وتعمّقت فيها، ولم تعرف الشعر اليونانيّ. فهل لذلك نتائج في فهم حيثيات الفلسفة اليونانية نفسها؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram