اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > التشبيب الشعريّ بصفته فعلاً جمالياً

التشبيب الشعريّ بصفته فعلاً جمالياً

نشر في: 23 أكتوبر, 2017: 09:01 م

أليس التشبيب في الشعر هو التغزّل بالنساء؟ فما علاقة ذلك بالفعل شَبَبَ و(شبّت النار)؟
تَشْبِـيبُ الشِّعْر هو تَرْقِـيقُ أَوَّله بذكر النساءِ. وشَبَّبَ بالمرأَة قال فيها الغَزَل والنَّسِـيبَ؛ وهو يُشَبِّبُ بها أَي يَنْسُبُ بها. والتَّشْبِـيبُ النَّسِـيبُ بالنساءِ. وفي حديث عبدالرحمن بن أَبي بكر أَنه كان يُشَبِّبُ بلَيْلَى بنتِ الجُودِيّ في شِعْرِه. أي يُرقّقه بذكرها. وكله موصول بتَشْبـيب النار، وتأْرِيثِها، وشَبَّ النارَ والـحَرْبَ أي أَوقَدَها، يَشُبُّها شَبّاً وشُبُوباً، وشَبَّتْ هي تَشِبُّ شَبّاً. وشَبَّةُ النارِ اشْتِعالُها. والشِّبابُ والشَّبُوبُ هو ما شُبَّ به. الشَّبوبُ، بالفتح، هو ما يُوقَدُ به النارُ. وتقول (هذا شَبُوبٌ لكذا) أَي يَزيدُ فيه ويُقَوّيهِ. التشبيب في الشعر هو اتقاده، أو تصعيده إلى درجة الاتقاد، لكننا نعتقد أن ذلك يتضمن معنى التهييج، لكأن التشبيب بالنساء شعرياً يدفع إلى تهييج المستمعين، فالشِّبابُ، بالكسر هو نَشاطُ الفرَس، ورَفْعُ يَدَيْه جميعاً. وشَبَّ الفرسُ، يَشِبُّ ويَشُبُّ شِـباباً، وشَبِـيباً وشُبُوباً رَفَعَ يَديه جميعاً، كأَنه يَنْزُو نَزَواناً، ولَعِبَ وقَمَّصَ. وأَشْـبَيْتُه إِذا هَيَّجْتَه؛ وكذلك إِذا حَرَنَ تقول (بَرِئْتُ إِليك من شِـبابِه وشَبِـيبه، وعِضاضِه وعَضِـيضِه!). من هنا يقال رجل مَشْبوبٌ بمعنى جميلٌ، حسنُ الوَجْهِ، كأَنه أُوقِد؛ قال ذو الرمة (إِذا الأَرْوَعُ الـمَشْبوبُ أَضحَى كأَنه - على الرَّحْلِ مِـمَّا مَنَّه السيرُ، أَحْمَقُ)، وقال العجاج (من قرَيْشٍ كلِّ مَشْبوبٍ أَغرّ). ورجلٌ مَشْبُوبٌ إِذا كان ذَكِـيَّ الفؤَادِ، شَهْماً. تقول (شَعَرُها يَشُبّ لوْنَها) أَي يُظْهِرُه ويُحَسِّنُه، ويُظْهِرُ حُسْنَه وبَصِـيصَه [كأنه على الضد منه، كونتراست contraste]. وشَبَّ لَوْنَ المرأَةِ خمار أَسْود لَبِسَتْه أَي زاد في بياضها ولونها، فحَسَّنَها، لأَنَ الضدّ يزيد في ضدّه، ويُبْدي ما خَفِـيَ منه، ولذلك قالو (وبِضِدِّها تَتَبَيَّنُ الأَشْياء) قال رجل جاهلي من طيـئ (مُعْلَنْكِسٌ، شَبَّ لَـها لونها - كما يَشُبُّ البدر لونُ الظَّلام) يقول كما يَظْهَرُ لون البدر في الليلة المظلمة. وهذا شَبُوبٌ لهذا أَي يزيد فيه، ويُحَسِّنُه. كأن المتضادات تُوقِدُ وتُشْعِل وترفع، تَشُبّ، جمال أضدادها، وفي الحديث عن مُطَرِّف أَن النبي ائْتَزَرَ ببُرْدَة سوداء، فجعل سَوادُها يَشُبُّ بياضَه، وجعل بياضُه يَشُبُّ سَوادَها؛ أَي يَزْهاه ويُحَسِّنُه ويوقده. وفي رواية أَنه لبس مِدْرَعةً سوداء، فقالت عائشة (ما أَحْسَنَها عليك! يَشُبُّ سوادُها بياضَك، وبياضُك سوادَها) أَي تُحَسِّنُه ويُحَسِّنُها. ورجل مَشْبُوب إِذا كان أَبْيض الوَجْه أَسْوَدَالشَّعَر، وأَصْلُه من شَبَّ النار إذا أَوقدها، فتَلأْلأَتْ ضِـياء ونوراً. وفي حديث أُم سلمة، حين تُوُفِّـيَ أَبو سلمة، قالت: جعلتُ على وجهي صَبِراً، فقال النبي (إِنه يَشُبُّ الوجهَ، فلا تَفْعَلِـيه)؛ أَي يُلَوِّنُه ويُحَسِّنُه. وفي حديث عمر في الجواهر التي جاءته من فتح نهاوند (يَشُبُّ بعضُها بعضاً).
الفعل إذنْ من الأفعال التي تصف فكرة (التضادّ) الذي يُحَسِّن قوة اللون الآخر وشدّة إضاءته. فلماذا لا نستخدمه في المباحث الجمالية والفنون التشكيلية؟
هل الفعل متقعّر إلى حدّ لا يمكن استخدامه اليوم؟ هل من بدائل اصطلاحية له سوى (التضادّ) العامّ العريض، ولماذا تتوقف مدارس الفنون التشكيلية المحلية وعلم الجمال بنسخته العربية عاجزة أمام اشتقاقات مفيدة، منها ما نجد لها أصولاً في المعجم؟
أظنّ أن الإشكالية هي مشكلة المُستخدِمِين وليس المعجم بنفسه الذي يقدّم الكثير من المفردات الدقيقة ذات الظلال التي تغطي حقولاً ومعارف معاصرة، لو كان هنا دأب مُماثِل لدأب مستخدمي المعاجم الأوربية الراهنة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram