أحسب أن نقاش الظواهر السلفية والتفكيرية والجهادية ممكن في إطار علم نفس (العُصَابَ)، كما أن نقاش مصطلحاتها ممكن في إطار اللغويات وعلم النفس اللغويّ.
من هنا يمكن إدراج (التكفيريين الجهاديين) ضمن صنفٍ واحد. فهم يمثلون ظاهرتين مُتداخِلتين: أعلى درجات البارانويا المرضية خطورة، وأكثر أشكال السادو- مازوشية sado-masochisme صراحةً وقوةً. إن تعريفاً مدرسياً مُبسَّطاً للسادو- مازوشية يبرهن على ذلك، فإذا اعتبرتُ السادية Sadisme تجلّياً لغرائز الموت، وإذا كانت مرتبطة عند فرويد بإيقاع الأذى بالشريك الجنسيّ والتلذذ بذلك، وتوسُّعاً التلذذ بإيقاع الأذى بالآخرين في حقول أخرى، بينما إذا كانت المازوشية Masochisme هي بحث عن الإلتذاذ عبر إيقاع الأذى بالذات، فإن السادو- مازوشية التي تعرّف بأنها ممارسة تستخدم، للأنا والشريك، الألمَ والتعذيب والهيمنة والإذلال بحثاً عن اللذة الجنسية (وتوسّعاَ كل لذة أخرى) تنطبق بالحرف الواحد على (التكفيريين الجهاديين السلفيين) وأشباههم، بل المتقنّعين بمعارضتهم لكن المُصطفّين معهم نفسياً، لاشعورياً وشعورياً. وحسب هذا التشخيص، لدينا الكثير من السادو-مازوشيين في العالم العربيّ – الإسلاميّ.
اليوم، هناك أمر جديد يتوجب إلقاء نظرة عليه، ألا وهو نزعتهم الاستعراضية، المسرحية التي تصل إلى حدّ إنتاج مشاهد مُحْكَمة لمناخ تاريخيّ ضارب في القِدَم، اللباس، وطريقة الحلاقة، والرايات، وأسلوب الخطاب، والهيئة.. الخ، كأننا في تمثيلية وفي محاكاة بالأحرى أكثر مما نحن في الواقع. كيف يمكن تفسير الأمر نفسياً؟ في البدء تتعلق تمثيليات ومشاهد التكفيريين الجهاديين بمفهوم المحاكاة imitation الأرسطوطاليسي مباشرة. نستطيع اليوم وضع قائمة بخصائص مفهوم المحاكاة عند أرسطو مقابل خصائصها عند فرويد. ما يبدو عند أرسطو محاكاة غريزية للعالم والبشر instinct imitation يبدو عند فرويد عملية مُماهاة processus identificatoire (التماهي، الهويّة). من جهة أخرى عملية المحاكاة تتضمن لعباً عند ارسطو بينما هي عند فرويد تُحدّد هوية الإنسان. محاكاة الآخر تتضمن سعادة للفرد عند أرسطو، بينما المحاكاة عند فرويد تجعل المرء يصير هذا الآخر. نتبين باختصار جوهر نزعة التكفيريين الاستعراضية، إذ أنهم عبر محاكاة الماضي، حرفياً، يرغبون بالتماهي معه، كأنّ هويتهم الآدمية موجودة فيه، إنهم يصيرون حرفياً هذا الماضي. هذا إذنْ الوَهْم الكامل. وما نقوله لم يَفُتْ على مواطنينا العرب بطريقة وأخرى، فقد وصفوا ظهور أمير المؤمنين البغداديّ - الخاتونيّ في الموصل بأنه نسخة من فيلم (الرسالة). يتوهّمون بأنهم في الماضي، والباقي من ترتيبات السياسة.
يبقى أن نلقي نظرة على اللسانيات بشأن معنى (كفَّر، تكفيراً). أَصل الكفر تغطية الشيء تغطية لتستهلكه، أي لتطمره. يقال إِنما سُمّي الكافر كافراً لأَن الكفر غطى قلبه كله؛ فالكفر في اللغة التغطية، والكافر ذو كفر أَي ذو تغطية لقلبه بكفره، كما يقال للابس السلاح كافر، وهو الذي غطاه السلاح، وكل من ستر شيئاً، فقد كَفَرَه وكَفَّره. والكافر الزرَّاعُ لستره البذر بالتراب. والكُفَّارُ: الزُّرَّاعُ. وتقول العرب للزَّرَّاعِ: كافر لأَنه يَكْفُر البَذْر المَبْذورَ بتراب الأَرض المُثارة، وكَفَرْتُ الشيء أَكْفِرُه، بالكسر، أَي سترته. والكافِر: الليل، لأَنه يستر بظلمته كل شيء. وكَفَرَ الليلُ الشيءَ وكَفَرَ عليه: غَطَّاه. والكَفْرُ الترابُ لأَنه يستر ما تحته.والكَفْرُ القَرْية، سُرْيانية.
بعبارة لغوية: التكفير (من كفَّر) بتشديد الفعل، يشير إلى مُراكَمة ومُراكَبَة التغطية بفعل من طبيعة مُشدَّدة وعنفيّة، وكلاهما (الطمر) بـ (العنف) يحومان في فضاء دلاليّ مريب جداً.
التكفير بوصفه بارانويا وعقدة سادو- مازوشية
[post-views]
نشر في: 5 فبراير, 2018: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...