شاكر لعيبي
عندما ترى صورة نبات الهيدنورا أفريكانا Hydnora africana التي لها مظهر غير عاديّ حيث لا يمكن تخيُّل أنها نبات للوهلة الأولى. تبدو مشابهة الى حدّ مذهل للفطريات من هنا تسميتها أيضا بطعام ابن آوى، ومن هنا التسمية الأغريقية (كمأة)، ولكنها تختلف عن الفطريات أنها تتفتح عن زهرة أعلى التربة. براعم الزهرة يصل ارتفاعها الى نحو 100-150مم، كرويّة الشكل، لونها بنيّ من الخارج وبرتقاليّ في الداخل، سميكة. الزهرة عبارة عن مصيدة تصطاد بها النبتة فرائسها من الخنافس من خلال إطلاق رائحة كريهة تقوم بجذب الخنافس إليها.
ما عدا ذلك فأن بعض مراحل تفتُّح الزهرة يمنحنا انطباعاً بأننا نرى فرْجاً. خاصة في بعض مراحل نموها، عندما ننظر لها من جهة واحدة. وهو ما جعل بعضهم يفكر بأسطورة الفرْج ذي الأسنان vagina dentata الذي ألهم الأساطير طيلة عصور. وهذه الأسطورة موجودة في جميع الثقافات تقريباً. وكثيراً ما تشتغل بصفتها عملاً وقائياً، للحدّ من ارتكاب الاغتصاب، ومخاطر ممارسة الجنس مع الغرباء أو "الغريبة" (وبالتالي الناقلات المحتملات للأمراض). نجد ذلك مثلاً في الأساطير الهندوسية، وفي التحليل النفسيّ تشير الأسطورة إلى مفهوم القلق من الإخصاء اللاواعيّ عند الرجل من قِبَل الأعضاء التناسلية للمرأة.
فنحن لا نعرف أسطورة عربية أو وصفاً للفرْج بأنه مُشَوَّك أو مُسَنّن. لكننا نقرأ في (كتاب الكبائر) للذهبيّ "يجد أهل النار رائحة منتنة فيقولون ما وجدنا أنتن من هذه الرائحة فيقال لهم هذه ريح فروج الزناة". والعرب يقولون شَوَّكَ ثديُ الجارية تحدَّد طرَفُه، وشَوَّك ثدياها إذا تهيَّآ للخروج تَشويكاً.
ولعلّ هذا القلق الإخصائيّ الذكوريّ، مما كانوا يتحاشون التصريح به. فبأيّ اسم يمكن أن تُسمِّي بالعربية زهرة الهيدنورا أفريكانا؟ نحن نقترح وصلها بالخنافس طالما هي وجبتها الأثيرة. أو بطعام ابن آوى (بالفارسية شغال). ونرى الخنافس أولى بالتسمية.
ومن ذلك أيضاً، زهرة قضيب الجبّار phallus de titan) وبالإنكليزية (Titan arum) أو ما سُمي بالعربية مؤخراً (زهرة الجثة) وهذه تسمية أندونيسية، واسمها العلميّ (Amorphophallus titanum) . هذه زهرة عجيبة. فإن نبات قضيب الجبّار الذي يُنتج زهرة جميلة المنظر وأضخم زهرة في العالم حيث يصل طولها إلى أكثر من 3 أمتار (10 أقدام تقريبًا)، يطرح أكثر من مفارقة، ذلك أن رائحة الزهرة كريهة جداً تشبه رائحة اللحم الفاسد أو جيفة الحيوان. لذلك سُميت بزهرة الجثة في اللغة الأندونيسية. وهنا المفارقة الأولى. المفارقة الثانية أنها لا تفوح برائحة عطرية طيبة لجذب الفراشات والنحل لتلقيحها، بل اختارت أن يلقحها الذباب والخنافس التي تضع بيضها في اللحم الفاسد عادةً، لذلك فرائحتها تستهدف جذب تلك الحشرات. والمفارقة الثالثة أنها تُخْرج شكلاً قضيبياً هائلاً، فتبدو وكأنها زهرة ذَكَر، لذلك تسمّى أيضاً (قضيب الجبّار)، رغم أن أنها أحادية المسكن أي أن أزهارها ذكرية وأنثوية منفصلة على نفس النبات. والمفارقة الأخيرة أنها تُزْهر مرة كل مئة عام ليومين فقط، ثم تبدأ فترة الإنتظار التالية لقرن آخر من الزمان. وهذا خلافاً لقضيب الإنسان العاديّ.
وليس لهذه الزهرة من تسمية في لسان العرب، فقد اكتشفت حديثاً، عام 1878، من قبل العالم ادواردو بكاري. ونحن نقترح لها اسماً الآن، وهو (الزَّخَمَةُ). لأن الزَّخَمَةُ في لسان العرب هي الرائحة الكريهة، وطعام له زَخَمَةٌ. ولا تكون الزَّخَمَةُ إلا في لحوم السباع. والزُّخْمَةُ نتن العِرْض [وهنا إشارة أيروتيكية]. وزَخَمَه يَزْخَمُهُ زَخْماً دفعه دفعاً شديداً. والزَّخْماء المنتنة الرائحة [إشارة أخرى].
في هذين المثالين، يصير العالم النباتيّ صورةً مُجسّمة لبعض الحميميّ في العالم البسيكولوجيّ المزعج في حياة الكائن البشريّ.