شاكر لعيبي
أليس "الوقوع" هو السقوط؟ ليس بالضرورة، والفعل نفسه (وَقَعَ) معروض لسلسلة تحولات مفهومية تأخذه من حقل لآخر، حتى "يتنصل" تماماً تقريباً من دلالته الأصلية:
وقَع على الشيء ومنه يَقَعُ وَقْعاً ووُقُوعاً سقَطَ، ووَقَعَ الشيءُ من يدي كذلك. ووَقْعُ السيفِ ووَقْعَتُه ووُقُوعُه هِبَّتُه ونُزُولُه بالضَّربة. ووَقع بالأَمر أَحدثه وأَنزله. ووَقَعَ القولُ والحكْمُ إِذا وجَب. وقوله تعالى "وإِذا وَقَعَ القولُ عليهم أَخرجنا لهم دابةً"؛ معناه وإِذا وجب القول عليهم أَخرجنا لهم دابة من الأَرض. ووَقَعَ منه الأَمْرُ مَوْقِعاً حسَناً أَو سَيِّئاً ثبت لديه. وأَوْقَعَ به الدهرُ أي سَطا، وهو منه.
نجد الفعل يُستخدم على نحو مجازيّ، أو شعريّ صاف:
وقَعَ الأمرُ: تمّ، حدَث. وقَع تحت طائلة القانون: خضَع للعقاب بحسب أحكام القانون. وقَعَ الحيوانُ وغيرُه في الشَّركِ ونحوِه: دخَلَ فيه. وَقَع في أيديهم: قبضوا عليه، أمْسكوا به، وقَع في التَّجربة: ما يدفع إلى الشَّرِّ والخطيئة، وقَع في الحُبّ: أحبّ فجأة، وقَع في فخٍّ: انخدع، جازت عليه حيلة، وقَع في قَبْضَته: حازه، تحكَّم فيه. وقَع القومُ بالعدوِّ: بالغوا في قِتالِهم. وَقَعَ عِنْدَهُ مَوْقِعاً حَسَنا: أَيْ نَالَ مِنْهُ حَظّاً وَمَنْزِلَةً. وَقَعَ مِنْ قَلْبِهِ فِي مَكَانٍ: اِسْتَحْوَذَ، اِسْتَوْلَى. وَقَعَ الكلامُ في نفسه: أَثَّر فيها. وقَع في فلانٍ: سبَّه وعابَه واغتابه مثل وقَع في أعراض النّاس، وقَع في يده: ندِم، تحسَّر. وقَع الكتابُ في مائة صفحة: اشتمل عليها. وَقَعَ فِي العَمَلِ وُقُوعاً: أَخَذَهُ. وَقع بالأَمر: أَحدثه وأَنزله. وَقَعَ الشئ: سقَطَ. وَقَعَ الدَّوابُّ: ربضَت. وَقَعَت الإِبلُ: بَرَكَتْ. ويقال: وقَعَ الطَّيرُ على أَرض أَو شجر. وَقَعَ المطرُ بالأَرض: حَصَلَ. وَقَعَ الحقُّ: ثَبَتَ. وَقَعَ القولُ عليه: وَجَب. وَقَعَ في العمل وقوعًا: أخَذَه، أَصابَ الرِّفْقَ فيه. وَقَعَ في الشَّرَك: حَصَل فيه. وَقَعَ في أَرضِ فلاةٍ: صار فيها. وَقَعَ إِلى كذا وَقْعًا: أَسرع بانطلاقه. وَقَعَ فلانٌ البعيرَ وَقْعًا: كواه على أمِّ رأسه. وَقَعَ النَّصلَ بالمِيقعة: حدَّده بها. يقال: وَقَعَ السكِّينَ والسَّيفَ. وَقَعَت الحجارةُ الحافرَ: أَصابتْه ورقَّقَته. فهو وقيعٌ. نعلٌ لا تَقَعُ على رِجْلي: أَي لا تناسب رجلي. وَقع على الشيء: وجده.
تعدُّد معاني polysémie هذا الفعل مُدْهِش، كأن الفعل يشير، غالباً، إلى عمل صارم حاسم قاطع مهما اختلفت حقول الكلام.
السؤال هو لماذا يقال "وَقَعَ على امرأته" بمعنى جامعها؟
السلسلة الطويلة من الاستخدامات المجازية للفعل (وقع)، توصلنا إلى وَقَعَ في العَمَلِ وُقُوعاً أي أَخذ. وواقَعَ الأُمورَ مُواقَعةً ووِقاعاً داناها؛ ومنه ما أَنشده ابن الأَعرابي (ويُطْرِقُ إِطْراقَ الشُّجاعِ وعِنْدَه، إِذا عُدَّتِ الهَيْجا، وِقاعُ مُصادِفِ)، ثم أن الوِقاعُ هو مُواقَعةُ الرجلِ امرأَتَه إِذا باضَعَها وخالَطَها. وواقَعَ المرأَة ووَقَعَ عليها جامَعَها. لكأن وقع عليها وواقعها بمعنى باضعها وضاجعها، من عملية السقوط عليها فيزيقياً، جنسياً، وبشكل حاسم. وفي حديث سلمة بن صَخْر أَنه أَتى النبي، فذكر أَن رجلاً ظاهَرَ [طلّقَ] امرأَتَه ثم وقَع عليها، فقال له النبي: لَعَلَّكَ بذَلِك يا سلَمةُ؟ فقال: نَعَم أَنا بذَلِكَ؛ يقول: لعلك صاحِبُ الأَمْر [يعني أنك تلمّح إلى أنكَ أنتَ هذا الرجل].
وَقَعَ تلميح لسقوط جنسيّ مدوٍ لجسدٍ على جسدٍ. وهذا الاستخدام للفعل يماثل استخدام حرف الباء وحده أحياناً للتلميح لهذا الوقوع. ففي حديث عمر أَنه أُتِيَ بامرأَةٍ قد زَنَتْ فقال: مَنْ بِكِ؟ أَي من الفاعِلُ بكِ؛ أي أنه يقول (مَن صاحِبُك [الذي فعل بكِ]).
هذا التلميح allusion أو الإلماح هو من مهمات الشعريّ دون شك، وهذا هو (التعريض) في المجال الضيّق للبلاغة العربية.