شاكر لعيبي
سؤال يقوم على الوقائع. فمتى يا يُرى تُرجمت وولف إلى العربية؟ هاكم تسلسل ترجماتها إلى العربية: القارئ العادي، الهيئة المصرية العامة، 1971 (وهذا كتاب نقديّ)، السيدة دالاوي، طبعة المؤسسة العربية 1998، بيت الأشباح - البيت المسكون، دار الشروق للنشر والتوزيع 2006، يوم الإثنين أو الثلاثاء وقصص أخرى، المركز القومي للترجمة – القاهرة 2008، الأمواج، طبعة المؤسسة العربية 2009، غرفة تخص المرء وحد، مدبولي 2009 ودار نينوى 2017، جيوب مثقلة بالحجارة ورواية لم تكتب بعد، الهيئة المصرية العامة للكتاب - مكتبة الأسرة 2009، أثر على الحائط، المركز القومي للترجمة - القاهرة سنة 2010، إلى الفنار، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2015، أورلاندو، دار المدى 20ّ16، هذا يعني أنها ترجمت منذ فترة قريبة نسبياً. أليس أمراً مثيراً للفضول والتساؤل؟
لكن في أية ظروف وسياقات وقعت هذه الترجمات؟ تُرجمت عملياً منذ أواخر التسعينيات إلى يومنا الراهن، وهي فترة موسومة بالاضطراب السياسيّ والثقافيّ والحروب والهجرات وتقوقع الدولة القومية على نفسها (نشراً وتوزيعاً كذلك)، وشيوع وسائط التواصل الاجتماعيّ ذات الوجبات الثقافية الخفيفة وذات الخفة المترافقة مع صعود جيل آخر لعله يمتلك تصورات أدبية مختلفة منسجمة مع السياق الموصوف، وما إلى ذلك من العوامل التي تقود عملياً إلى الاستنتاج بأن وولف قد تكون معروفة بالاسم في الأوساط الثقافية، ولعلها ليست معروفة إبداعياً بالفعل، إلا من قلة، بعضها مهموم بالنسويّة قبل الأدب.
هناك من قرأ "الأمواج" بالإنكليزية، وهذه أقلّية لا يُعتد بها ثقافياً، ولعل الغالبية العظمى من المثقفين العرب يعرفون الرواية والروائية عبر الدراسات النقدية المترجمة من الإنكليزية والفرنسية للعربية (كاتب هذه السطور منهم) وهذا ما نذهب إليه. إن يُقال خلاف ذلك لا يستوي مع تأريخ ترجمات وولف إلى العربية.
لهذا الاستنتاج ما يبرّره. إن هذه الروائية الكبيرة، لم تمارس سحرها ونفوذها ومخيلتها في الثقافة العربية إلا عبر، مثلاً ماركيز، الروائي المعروف مع ثلة من أبناء قارته بأنه من بناة الواقعية السحرية، والأدق أن واقعية مثل هذه هي من إبداعها، نسبياً في الأقل. يعترف ماركيز نفسه بأنه متأثر بفرجينا وولف، وهذا يشير غالباً إلى تأثره بنمطها السردي غير المرتكز على المنطق الواقعي الخالص بالضرورة. أنك تجد مثل هذه الانتقالات السحرية في روايتها أرولاندو، عبر تحوُّل أورلاندو، فجأة تقريباً، من رجل إلى امرأة في القسطنطينية العثمانية. لا شيء قبل ذهاب أرولاندو سفيراً لدى الباب العالي يشير إلى ذلك. ناهيك عن عبور أورلاندو ثلاثة قرون دون أن تشعرنا الرواية بأدنى خلل سرديّ، أو منطقيّ.
ما يشرح ذلك أيضاً، تجاهل ثقافتنا لعلاقة وولف الوثيقة (هذه الصفة ضعيفة في المقام الحالي) بالفن الشعري. روايتا "الأمواج" و"أورلاندو" يعبّران عن عمق هذه العلاقة. أحد أبطال الأولى "نيفيل" يظل مخلصاً للشعر والفن حتى النهاية مستشهداً بأعلام الشعر مقدِّماً وجهات نظر عميقة عنه، أما أورلاندو فهو شاعر – شاعرة نفسه (-ها). طبع في النهاية قصيدته "شجرة السنديان" التي ظل يكتبها طيلة ثلاثة قرون. إذا أضفت لذلك رسالتها عام 1932 المنشورة بعنوان (رسالة إلى شاعر شاب) إلى جون ليمان (ننتظر ترجمتها قريباً لصالح منبر ثقافيّ عراقيّ) وفيها تطرح بعض آرائها في الشعر الحديث. آراؤها العميقة. كيف أفلتت هذه الرسالة المهمة من المترجمين العرب طيلة هذه السنوات، على حدّ علمي؟ بسبب، مرة أخرى، بعض التأخُّر في (معرفة) وولف، المستمرّ في ظني حتى يومنا الرهن رغم حزمة الترجمات الأخيرة الممتدة في فترة شواش الثقافة العربية (من 1998 – 2017).