علي حسين
كنت أنوي الكتابة عن معرض أربيل للكتاب ، فأنا أنتمي إلى قوم لايمكنهم تخيل عالم لم تظهر فيه الكتب ، التي سطرها مجموعة من الأحرار علموا البشرية قيمة وأهمية الحياة، لكني بالأمس وأنا أتصفح مواقع الصحف ووكالات الأنباء شعرت بأنّ كاتباً مثل حالي لايمكن له أن يترك تقلبات رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ، ويذهب ليحدّث القرّاء عن أفلاطون الذي ظل يصر على أن تعاسة البلدان لا يمكن أن تزول ما لم يتمتع حكامها بفضيلة التعلم. إن طلب العلم شرط لمن يتقلد زمام الحكم، والسبب هو ما يتميز به الحاكم المتعلم من حكمة وصدق"، ولهذا وجدت نفسي أسأل هل يقرأ محمد الحلبوسي وهل يهتم بهذا العالم الغريب والعجيب الذي تحويه صفحات الكتب ، ولو كان يعرف فضيلة الصدق لماذا نراه يتقلب ذات اليمين وذات اليسار ، في واشنطن قال إن بقاء القوات الاميركية ضمانة للعراق ، وعندما يصل بغداد يبلع كلامه ليخبرنا أن الصحافة تَتبلّى عليه وأنه أول من قاوم المحتل الاميركي .
أنظر إلى الكتب التي غصت بها قاعات معرض أربيل للكتاب ، وأسرح مع البصرة المدينة الجميلة أيام كان فيها الأصمعي يعلّم الجاحظ معنى الشغف بالكتاب : "الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والجار الذي لا يستبطئك، والصاحب الذي لا يتملقك، ولا يخدعك بالنفاق، تلك كانت بصرة الكندي والمندائي وإخوان الصفا ، فيما اليوم تغزوها أسراب جراد الجاهلين الذين يرون فيها خزينة ينهبونها في وضح النهار .
دائما كنت أسأل نفسي : ترى كيف سيكون شكل العالم لو لم يكتب فيه ديكنز روايته "الآمال العظيمة"، ولم يحول فيه المتنبي الشعر إلى نصوص في الحكم، ولم يعلمنا عمر بن أبي ربيعة أن مديح النساء أبقى أثراً من مديح كل الحكام، ، هل يمكن أن نتخيل بريطانيا من دون سؤال هاملت الأزلي: أكون أو لا أكون، ماذا يبقى من انقلابات أمريكا اللاتينية غير ذكرى حكايات يوسا، وساماراغو، وايزابيل أللندي ومعلمها ماركيز، ماذا يبقى من أميركا لو لم يكتب لها همنغواي "الشيخ والبحر".
أعطتنا الكتب الأنس والمنفعة في هذه الحياة. وحولت لنا الارض الى قرية واحدة قبل أن يكتشف الامر منظرو الفساد وكان آخرهم عدنان الأسدي ، ففي مشهد سيذكره التاريخ طويلا، يقف عدنان الأسدي صامداً ليلقي علينا دروساً في النزاهة ويطالبنا بمخافة الله .. يارجل وأين كانت هذه المخافة عندما استوردت أجهزة فحص الشامبو وأردت أن تقنعنا أنها أجهزة لكشف المتفجرات .. وماذا عن صفقات الأسلحة وعمولاتها ؟
في المعرض سيشتري احد الزوار مقدمة ابن خلدون وسيقرأ فيها : "كلما أوغلت الأمم بالبداوة، كانت أبعد ما تكون عن الحرية" .