شاكر لعيبي
في لسان العرب: "الشَّبَرُ شيء يتعاطاه النصارى بعضهم لبعض كالقُرْبانِ يتقرّبون به، وقيل: هو القُرْبانُ بعينِهِ. وأَعطاها شَبْرَها أَي حق النكاح.
وفي دعاء الرسول لعلي وفاطمة: (جمع الله شَمْلَكُما وبارك في شَبْرِكُما)؛ والشَّبْرُ في الأَصل هو العطاء ثم كُني به عن النكاح لأَن فيه عطاء".
الشَّبَرُ إذن تعني القربان المسيحي والنكاح. فكيف ذلك؟
في اللسان: "شَبَرْتُه شَبْراً إِذا أَعطيتَه، والشَّبَرُ، بفتح الباء، اسمُ العطية؛ ومثله الخَبْطُ والخَبَط؛... وكذلك جاء الشَّبْرُ في شعر عديّ في قوله: لم أَخُنْه والذي أَعطى الشَّبَرْ، وإِنما يريد به اسمَ الشيء المُعطَى... والشَّبَرُ: العطية والخير؛ قال عدي بن زيد: إِذ أَتاني نَبأٌ مِن مُنْعَمِرْ لم أَخُنْه، والذي أَعْطَى الشَّبَرْ . وقيل: الشَّبْرُ والشَّبَرُ لغتان... والشِّبْرَة العطية. شَبَرْتُه وأَشْبَرْتُه وشَبَّرْتُه: أَعطيته، وهو الشَّبْرُ، وقد حُرِّك في الشعر. ابن الأَعرابي: شَبَرَ وشَبَّرَ إِذا قَدَّرَ. وشَبَّرَ أَيضاً إِذا بَطِرَ".
وعند العودة إلى (المعجم العبريّ) Dictionnaire Hébreu raisonné الصادر عام 1845 يمكن التأكُّد من تداخل المعاني هذا، فهو يذكر تحت مادة شَبَرَ وسَبَرَ وسَبْر وشَبْر : chabar sabar، chbar، sbar وهي من الفعل Shabar , shaw-bar' العبريّ أنها تحيل إلى المعاني التالية في التوراة: قطع [بالسيف]، فَصَلَ، كَسَر وكسَّرَ، فرَّق وقسّم، قاس قياساً وذرَعَ، جَرَحَ، ابتلى وتكبَّد، فَتَحَ؛ كِسْرة = جزء من قطعة، كسْر في العظم أو كسْر للتوازن، جُرْح، ندمٌ وتوبة، ذعْر وهَلَع ورُعْب، خرَّب أتلف وخراب..... الخ.
لاحظْ أولاً أن هذه المفردة لها علاقة بالسبر (بالسين) العربية أيضاً، سبَرَ الجرح مثلاً واختبر الشيء.
ولاحظْ أن الشبر الذي يتعاطه النصارى مُتضمَّن في دلالة الكِسْرة وكَسَرَ قطعةً صغيرة من جزء كبير، وهذه هي كِسْرة القربان بالفعل.
ثم لاحظ أننا في الشبر بمعنى النكاح نقع في دلالة الجرح والقطع الفيزيقيّ ، الكسر والفتح أيضاً التي صارت تدلّ في العربية على الفعل النكاحيّ (وحتى الآن يُقال في تونس "كَسَرَ الفتاةَ" أي افتضها).
بعد ذلك امتدت فكرة الجماع إلى العالم الحيوانيّ (وربما العكس). في اللسان: "روي عن ابن المبارك أَنه قال: الشَّكْرُ القُوتُ، والشَّبْرُ الجماع. قال شمر: القُبُل [الفرْج] يقال له الشَّكْرُ؛ وأَنشد يصف امرأَة بالشرَف وبالعِفَّة والحِرْفة: صَنَاعٌ بإِشْفاها، حَصَانٌ بِشَكْرِها، جَوَادٌ بقُوتِ البَطْنِ، والعِرْقُ زَاخِرُ، وقال الأَعرابي: المَشْبُورَة المرأَة السَّخِيَّة الكريمة. قال ابن سيده: فسّر ابن الأَعرابي شَبْرَ الجمل بأَنه مثل عَسْب الفحل فكأَنه فسر الشيء بنفسه.... وشَبْرُ الجمل: طَرْقُه، وهو ضِرَابه. وفي الحديث: أَنه نهى عن شَبْرِ الجَمَلِ أَي أُجرة الضِّرَابِ. قال: ويجوز أَن يسمى به الضراب نفسه على حذف المضاف أَي عن كراء شَبْرِ الجَمَلِ؛ قال الأَزهري: معناه النهي عن أَخذ الكراء عن ضراب الفحل، وهو مثلُ النهي عن عَسْبِ الفحل، وأَصل العَسْب والشَّبْرِ الضِّرابُ؛ ومنه قول يحيى بن يَعْمَرَ لرجل خاصمته امرأَته إِليه تطلب مهرها: إِن سأَلتك ثَمَنَ شَكْرِها وشَبْرِك أَنشأْتَ تَطُلُّها وتَضْهَلُها؟ أَراد بالشَّبْرِ النكاحَ، فشَكْرُها: بضْعُها؛ وشَبْرُه: وَطْؤه إِياها؛ وقال شمر: الشَّبْرُ ثواب البضع من مهر وعُقْرٍ. وشَبْرُ الجمل: ثواب ضِرَابه".
وللاسمين المعروفين عندنا (شُبّر وشبير) علاقة قريبة بذلك.