علي حسين
ليس صحيحا أن الدولة أهملت الرجل المصاب بالسرطان والذي قرر أن ينهي حياته بأن رمى نفسه من الطابق السادس بعد أن عجز المستشفى عن توفير دواء له،
كل ما في الأمر أن الجميع منشغل بمعركة كراسي مجالس المحافظات ، ولذلك لا أوافق أبدا على ما ذهب إليه البعض من أنه كان يفترض أن يترك السادة المسؤلون مشاغلهم الضخمة ومسؤولياتهم الجسام ليضيعوا دقائق من وقتهم الثمين في إصدار تصريح صغير يواسون فيه عائلة الرجل الذي انتحر ظلما وقهرا، ومعها برقية يعزون فيها هذا الشعب بمصائبه التي لا تتوقف أبدا.
في كل يوم نعيش مع المعالجات الدرامية التي تضعها بعض المؤسسات، وفي كل يوم نصحوا على مصيبة ومعها بيان يطمئننا إلى أنها المصيبة الأخيرة، فبعد أن انتظرنا تفسيرا لأيام الخراب التي تحاصرنا، وبعد أن عجز الناس عن حل لغز الأسلحة التي تنفجر في كل مكان، وضربنا أخماسا في أسداس لنعرف لماذا لا يراد للكهرباء أن تضيء شوارع العراق وبيوته، بعد كل ذلك، اكتشفنا بالصدفة أن ضياع ثروات البلد وسرقة ملياراته تقف وراءهما الإمبريالية ومعها الماسونية.
في كل دول العالم تكون وظيفة المسؤول الحقيقية هي أن يجعل الناس أكثر أمنا وسعادة وإيمانا بالمستقبل، إلا في العراق حيث يشيع مسؤولونا مبدأ الفشل، مستخدمين فزاعة الأجندات الخارجية، ولهذا أجد من المعيب جدا أن تصدر دائرة الصحة في البصرة بيانا تقول فيه إن المريض كان في حالة متقدمة من مرض السرطان ويعاني من تردي حالته النفسية، وتقسم بأغلظ الأيمان أن الدواء موجود، فيما يخبرنا عضو مجلس المحافظة محمد المنصوري وبكل صراحة أن "الرجل الذي يبلغ من العمر 67 عامًا، رمى بنفسه من شباك الطابق السادس من مبنى المستشفى، لعدم توفر العلاج اللازم لمرضه بالمستشفى وعدم امتلاكه الأموال لشرائه".
ومن المعيب جدا أن تدافع جهة رسمية عن ملف مخز مثل ملف عدم توفر الأدوية، وهو ملف تعاني منه معظم مستشفيات العراق، حين يضطر المريض لشراء الأدوية من ماله الخاص.. ومن المعيب أن تصمت وزارة الصحة على حادث الانتحار الشنيع هذا .
ليس مقبولا أن يصبح مستقبل الناس وحياتهم سلعة رخيصة في سوق الأكاذيب، وليس مقبولا أن يحاول البعض التغطية على مثل جريمة انتحار مريض البصرة، ليوجه الأنظار نحو ملفات أخرى لا ناقة للمواطن العراقي فيها ولا جمل.
العار سيبقى يطارد كل المسؤولين الذين صمتوا على ما جرى في قضية انتحار الشباب والفتيات والآن جاء الدور على المرضى.. أيها السادة مثل هذه الحوادث تسقط حكومات حتى لو كان ما حدث مجرد حادث فردي .