من أجل أن يبقى قلم الكاتب الراحل عدنان حسين حاضراً في المشهد العراقي، تعيد المدى نشر بعض "شناشيله" التي سلط من خلالها الضوء على الفساد الإداري والمالي ودافع عن قيم الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية.
عدنان حسين
إشارة تحذير جديدة تأتينا من الأمم المتحدة بشأن خطر داعش الذي لم يزل كامناً. في أحدث تقرير لها، قدّرت المنظمة الدولية عدد عناصر التنظيم الإرهابي الباقين في العراق وسوريا بما يتراوح بين 20 و30 ألف مقاتل موزّعين بالتساوي تقريباً بين البلدين.
التقرير الذي كتبه مراقبو العقوبات في المنظمة الدولية يشير الى أن معظم هؤلاء هم من مواطني البلدين، فيما أقلية منهم فقط من الأجانب، وهنا جانب الخطورة البالغة في الأمر، فالاجانب يُمكن الكشف عنهم لكنّ الأمر ليس كذلك بالنسبة للمواطنين المحليين، ولهذا يشير التقرير الى أن التنظيم الإرهابي"لايزال قادراً على شنّ هجمات داخل الأراضي السورية، ولا يسيطر بشكل كامل على أي أراض في العراق، لكنّه لايزال ناشطاً من خلال خلايا نائمة" من العملاء المختبئين في الصحراء وغيرها من المناطق.
هؤلاء الـ 10 – 15 ألفاً لا ينبغي الاستهانة بهم وبقوّتهم، فبعدد أقلّ من هذا نجح التنظيم في اقتحام مدينة الموصل وإحكام السيطرة عليها قبل أربع سنوات، ليشكّل القاعدة التي انطلق منها متمدداً على ثلث مساحة البلاد ومرتكباً مجازر فظيعة ومتسبّباً في محنة لملايين العراقيين لم تنته فصولها بعد.
الخطير في الأمر أن عناصر التنظيم الباقين في العراق وسوريا يُمكن أن يجدوا لهم بمرور الأيام أنصاراً يوفّرون لهم الملاذ والدعم. والواقع أن البيئة الملائمة لذلك لم تزل قائمة، فالمدن والبلدات والقرى العراقية التي تدمّرت في الحرب مع التنظيم لم يُعد بناؤها بعد ولم تتوافر لأغلب سكانها أبسط مقومات الحياة الإنسانية، بل إن الكثير منهم لا يلقى من السلطات المحلية، المدنية والعسكرية والأمنية، المعاملة التي يُمكن أن تقيم السدّ المنيع أمام عودة نفوذ الفكر الإرهابي والعناصر الإرهابية الى صفوفهم. الحوادث المتكررة التي حملت القائد العام للقوات المسلحة أخيراً على سحب بعض القوات من مناطق في محافظة نينوى وسواها تؤكد هذا.
النصر النهائي على داعش لم يتحقّق بعد، وهو لن يتحقّق مادامت هناك معاملة غير لائقة لسكان المناطق التي اجتاحها التنظيم، ومادام هناك عدم اهتمام بإعادة الحياة الطبيعية إليها، وكلّ هذا لن يتحقق أبداً مادام الفساد الإداري والمالي راسخ الأقدام في أجهزة الدولة التي تتعامل مع هذه المناطق وسكانها، فمثلما سُرق الكثير من الأموال المخصصة للنازحين في المخيمات، تتعطّل عمليات إعادة النازحين وإعادة بناء مناطقهم الآن بسبب الفساد الإداري والمالي أيضاً.
التقرير الأممي تحذير قوي لنا، يأتي في الوقت المناسب تماماً، فالقوى السياسية المتنفّذة منخرطة الآن كليّاً في صراعاتها ومنافساتها على السلطة والنفوذ والمال عشية بدء أعمال مجلس النواب الجديد وتوزيع المناصب الحكومية المُسيلة للّعاب كالعادة، وليس من المرجّح أن تتخلى هذه القوى عن صراعاتها ومنافساتها والالتفات الى الخطر الذي لم يزل داعش يمثله ويحذّر منه التقرير الأممي الأخير.