TOP

جريدة المدى > عام > الحاضر ورامبو.. خلطة سحرية لعشاء النمور

الحاضر ورامبو.. خلطة سحرية لعشاء النمور

نشر في: 26 يناير, 2020: 07:50 م

نعيم عبد مهلهل

أنزل الشاعر الفرنسي أرثور رامبو بنادقه التي يتاجر بها من على ظهر قافلة الحمير التي أتت من ميناء عدن وعرضها أمام رئيس قبيلة افريقية في غابات الحبشة .

وقبل أن يتفحصها ، قال لرامبو : أيها اليانكي أريد منك خلطة سحرية تجعل النمور تهدأ عندما تتناول عشاءها ، فهي تبقى ثائرة وأخاف منها أن تأكلنا ونحن نيام ؟

ضحك رامبو وقال : البنادق لن تنفع لأنكم ستنامون . عليك ان تُعلمَ عرافيكَ كتابة الشعر ، وحين تسمعه تهدأ .

ضحك حاكم القبيلة وقال : إذن لا نحتاج بنادقك ، وعلم العرّافين كتابة القصيدة ولتكن هذه الخلطة السحرية مروضة لنموري .

ويبدو أن رامبو غضب في داخله ، فعلّم العرّافين تلاوة الشعر المستفز وبخلطة متمردة جعلت العرّافين يتحولون الى نمور ، ويأتون على حاكمهم في الليل يقتلوه ويضاجعون جميع نساءه .

الثمن الذي قبضه الشاعر من هذه الخلطة السحرية ، إنه جعل العرّافين يشترون بنادقه وبها يتم إعدام جميع النمور...

يوم صعد الكركرين الى قدم الشاعر الشاب وتم بترها ، ومن ثم تدنو منه منيته ، اقترب إليه راع الكنيسة ليأخذ منه آخر اعتراف له ، فطلب منه شيئا ليتلوه وتنال روحه الهدوء .

فقال رامبو :لا ينفع الاستغفار والتوبة ، لقد فعلت كل شيء بالخديعة حتى أني قتلت نمورهم بوصفة سحرية اسمها الشعر.

هذه قصة متخيلة من فنتازيا حياة النمور ، لم يعشها رامبو أصلاً إنما هو فنتازيا لحكاية أعكسها على حاضرنا في الشرق وأريد فيها أن أشاهد نهاية النمور التي نقدم الى موائدها أفخر أنواع الأكل ، ولكنها تبقى مزمجرة غير راضية وتريد أن تلتهم حتى أحلامنا ونحن نغط في نوم لننتظر فيها صباحات نتحاشى فيها النظر الى تلك النمور المنفلتة في شوارع حياتنا ، بعضها يجلس على كرسي ،وبعضه يرتدي رتبة جنرال ، وآخر يتحكم بسير الكهرباء في الاسلاك ، واخر لا يهمه تخليصنا من الأزبال بل يهمه مقاسمة المقاولين ربحهم ويسمونه في لهجة سكان القبائل الطوطمية في افريقيا ( مدير البلدية ).

ومهما يكن شكل هذه النمور من ورق أو لحم ودم أو مطاطية فهي في شكلها وهي تتعشى وتتغدى بنا تمتلك أنياباً حادة وتفترس حتى لو كانت مصنوعة من ورق المقوى ، فهي في عشائها تأكل اللحم والدولار كمن يخلط المرقة بالتمن.

فإذا كانت خلطة النمور الافريقية تعليم العرّافين الشعر . فأننا في هذا العصر نفتقد الى العرّافين القادرين على السيطرة على النمر بقصيدة رامبوية ، فلقد انقرضوا ، فحتى عرّاف هذا العصر الذي يسمونه ابو علي الشيباني الذي يبيع مئة غرام من البابونك مخلوط بالحبة السودة وعرق السوس مع حليب النيدو المجفف على أنه خلطة سحرية تشفي من السرطان والامراض العصية يبيعها بعشرة آلاف دولار ، فأن هذا الدكتور العراف متحالف مع تلك النمور على طريقة لا أؤذيك ولا تؤذيني. 

وهكذا لم تعد خلطة ارثور رامبو السحرية تنفع مع نمور العولمة . وعليه فأن الجزع باقٍ فينا بسبب غياب الحلول وأحلامنا في تهدئة النمور لتستكن وتعود مياه البطاقة التموينية الى مجاريها من دون شاي مغشوش ورز فاسد .

مات رامبو في القرن التاسع عشر . ونحن اليوم في القرن الحادي والعشرين . والنمور هي النمور ، الذي تغير فيها أنها لم تعد تنطلى عليها خدع التلاوة الشعرية لتنسى جوعها وغضبها .

وهاهي اليوم تغلق كل قنوات روتانا في بيوتها كي لا تسود فيها شهية الأغاني والأشعار وسحر أم كلثوم في ترويض النمور وتحويلها الى كائنات هادئة وعاشقة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: تصنيف الأعمال الموسيقية

انتقائية باختين والثقافة الشعبية

فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)

الجندي الأمريكي والحرب

سحر محمول أغنية حب للكتاب.. من فجر التاريخ حتى ببليوغرافيا هتلر

مقالات ذات صلة

متعةُ وكشوفٌ لاتضاهى في قراءة الأعمال الكلاسيكية
عام

متعةُ وكشوفٌ لاتضاهى في قراءة الأعمال الكلاسيكية

لطفية الدليمي ربما تكون جائزة البوكر العالمية للرواية هي الجائزة الأعلى مقاماً بين الجوائز الروائية التي نعرف، ولعلّ من فضائلها أنّها الوسيلةُ غير المصرّح بها لتعريف القارئ العالمي بما يُفتّرّضُ فيه أن يكون نتاجاً...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram