TOP

جريدة المدى > عام > موسيقى الاحد: سيمفونية البطولة

موسيقى الاحد: سيمفونية البطولة

نشر في: 1 فبراير, 2020: 07:55 م

ثائر صالح

"هو ليس أكثر من مجرد إنسان عادي إذن؟ سيدوس هو الآخر على حقوق الناس ولن يهمّه سوى طموحه. سيترفع بنفسه على كل الآخرين ليصبح طاغية".

صاحب هذه الكلمات هو الموسيقار لودفيغ فان بيتهوفن الذي نحتفل هذا العام بذكرى ميلاده الخمسين بعد المئتين. قالها بحضور صديقه وتلميذه الموسيقي فرديناند رِييس (1784 – 1838) عندما أخبره الأخير في أيار 1804 بتتويج نابوليون بونابرت نفسه امبراطوراً بعد أن حسبه البطل المنتظر. غضب بيتهوفن الذي أراد إهداء سيمفونيته الثالثة إلى بونابرت، ومسح اسمه من الصفحة الأولى، وصار اسمها سيمفونية البطولة. ليس في وسع أحد التحقق من صحة هذه الأسطورة التي رواها رييس، لكن من المؤكد أن بيتهوفن تأثر بالثورة الفرنسية ومثلها في الحرية والمساواة والإخاء مثل الكثيرين غيره في أوروبا الحالمين بمجتمع أكثر عدلاً، وميّزت هذه الأفكار الكثير من أعماله. 

قد تكون سيمفونية بيتهوفن الثالثة في مي بيمول أحد أشهر الأعمال الموسيقية في التاريخ – بسبب الأسطورة التي تحدثنا عنها – وبسبب كونها أحدثت ثورة في الموسيقى بحد ذاتها. فقد فتحت آفاقاً جديدة أمام شكل السيمفونية عبر التجديد الذي حملته، خاصة في حركتها الأولى الطويلة بشكل غير معتاد (حوالي 20 دقيقة). تصف الحركة الصراع البطولي الذي عبر عنه أحياناً بالتنافر الصوتي والانتقالات الإيقاعية. تليها الحركة الثانية البطيئة التي تصف الحزن لموت البطل وهي عبارة عن مارش جنائزي مؤثر. لكن البطل يموت أما البطولة فلا تموت، والبطولة تستمر حية كفكرة حتى بعد موت البطل، ويتواصل النضال حتى بعد موته البطولي، وهذه هي الرسالة التي حملتها لنا الحركتان الثالثة (سكرتسو) التي تميزت باستعمال أداتي الهورن بشكل لا ينسى، والأخيرة السريعة التي لا تضاهيها خاتمة سيمفونية أخرى (عدا خاتمة التاسعة نشيد الفرح) بتنوعها وتقلب مزاجها بين الكوميدي والتراجيدي والغنائي والبطولي عبر سلسلة من التنويعات العبقرية. 

من هو البطل هنا؟ هل هو بونابرت؟ أم بيتهوفن ذاته؟ 

كتب بيتهوفن السيمفونية في مرحلة مفصلية مهمة من حياته غيرت رؤيته للموسيقى بشكل جذري، فقد بدأ يعي خطورة مشاكل السمع التي يعانيها بعد أن بدأ الصمم يزحف إلى أذنيه مبكراً. كتب السيمفونية بين أيار وتشرين الثاني 1803 وهو يعاني من ضعف السمع. هذا الوعي حرره من قيود القواعد الموسيقية التي تعلمها من أساتذته، فأصبح أكثر جرأة في تجربة حلول موسيقية وأفكار جديدة وإدخال تغييرات على القواعد المعروفة. 

قدمت السيمفونية في شباط 1805 في قصر الأمير لوبكوفيتس في بوهيميا عدة مرات قبل أن تقدم في فيينا يوم 7 نيسان، بذلك تسنى لبيتهوفن القيام بتصليحات عديدة قبل عرض فيينا الذي قاده بيتهوفن بنفسه. وكان لوبكوفيتس قد دفع لبيتهوفن مقدماً حقوق تقديم السيمفونية لستة أشهر. بالطبع يتبادر هنا السؤال: هل كان بيتهوفن مستعداً للمغامرة بفقدان هذا الدعم الأميري عبر إهداء العمل الى بونابرت الذي مقته الارستقراطيون في أوروبا؟ للتذكير احتلت جيوش نابليون فيينا للمرة الأولى بعد معركة اوسترليتس أواخر سنة 1805 قبل أن تحتلها للمرة الثانية في صيف 1809.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: تصنيف الأعمال الموسيقية

انتقائية باختين والثقافة الشعبية

فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)

الجندي الأمريكي والحرب

سحر محمول أغنية حب للكتاب.. من فجر التاريخ حتى ببليوغرافيا هتلر

مقالات ذات صلة

متعةُ وكشوفٌ لاتضاهى في قراءة الأعمال الكلاسيكية
عام

متعةُ وكشوفٌ لاتضاهى في قراءة الأعمال الكلاسيكية

لطفية الدليمي ربما تكون جائزة البوكر العالمية للرواية هي الجائزة الأعلى مقاماً بين الجوائز الروائية التي نعرف، ولعلّ من فضائلها أنّها الوسيلةُ غير المصرّح بها لتعريف القارئ العالمي بما يُفتّرّضُ فيه أن يكون نتاجاً...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram