علي حسين
ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءًا من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه، وأتذكر أن أستاذي هذا كان يردد دومًا أن أفكار فولتير وكلماته مهدت للثورة الفرنسية،
وبعد سنوات عثرت في مجلة الكاتب المصرية على مقال كتبه طه حسين عن فولتير فيه معلومات قيمة عن هذا الفيلسوف، وعرفت أن فيلسوف الثورة الفرنسية إضافة لاهتمامه بالفكر ومشاغله، فهو روائي وكاتب لعدد من المسرحيات، بعدها حصلت على روايته الشهيرة "كانديد" بترجمة لواحد من شيوخ المترجمين "عادل زعيتر" وهي رواية كتبها فولتير عام 1755 تناول فيها المأساة التي تعرضت لها مدينة لشبونة جراء زلزال ضربها، وفيها حاول أن يقدم فلسفته في التسامح، حتى أن كاتبًا مثل بورخيس يصفها بقوله "لا يزال المؤلف فيها يستفز الناس بأفكار شكلت آنذاك وسيلة لنشر قيم عصر التنوير". بعدها وقعت في يدي أعداد من مجلة الرسالة المصرية فإذا بي اكتشف أن العراقيين سبقوا العرب جميعًا في التعريف بهذا الفيلسوف، ففي عام 1936 يكتب الأب أنستاس الكرملي مقالًا عن فيلسوف التنوير، والمقال فيه شرح وافٍ لفكر فولتير وفلسفته، ويسلط الكرملي الضوء على موضوعة قيمة العقل التي صبغت فلسفة فولتير. يقول الكرملي: يجب أن تفكر أنت.. فكر لنفسك.. يجب أن تتشكك في كل ما يقال لك.. إذا أخطأت فلأنني حاولت أن أعرف، وإذا عرفت فأنني أخطئ، لأن الذي عرفته قليل جدًا، والذي لا أعرفه كثير جدًا، ثم يمضي الأب الكرملي بالقول إن فولتير ولجرأة أفكاره اتهم بتضليل الشباب وإفساد الرأي العام والوقوف بوجه الدين، ويضيف "هو الرجل الذي حول الغضب إلى سخرية، والذي حطم الأصنام"، وينقل الكرملي عن فولتير عبارته الشهيرة "إن الدول بكل أجهزتها وجبروتها لا تستطيع أن تقاوم سلاحًا يطلق النار في كل الاتجاهات اسمه "الكلمة"..
يكتب الرصافي عام 1921 "في الإستانة اطلعت على كتب الفيلسوف الذي شغل العصر، فولتير، ووجدت دعوته للفكر وأحكام العقل صدى في نفسي، حتى أنني نظرت إلى حال أهلنا في العراق وتمنيت عليهم أن يأخذوا بأفكار هذا الثائر"، الذي وصفه بقصيدة شهيرة
بفكرك دوحة العرفـــــــان تنمــــــو... كـــذا الأدواح تنمو بالضـــــــــــــياء
أيها السادة، المواطن العراقي يريد أن يدخل عصر التسامح فقد قدم هذا الشعب للعالم عقولًا متسامحة مثل الكرملي وعلي الوردي والجواهري ومحمد حديد وجواد علي وجواد سليم.. ولهذا أتمنى على مسؤولينا أن يقرأوا رسالة فولتير في التسامح، لا كتاب ميكافيللي في فلسفة الحكم.. نريد أن يُفتح باب الأمل للعراقيين وتتوسع لهم نوافذ المستقبل، فآلة الرياسة سِعَة الصدر، كما قال إمام الحكماء علي بن أبي طالب.