اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ترجمة > فايروس كورونا.. فـي نظر الفلسفة

فايروس كورونا.. فـي نظر الفلسفة

نشر في: 14 نوفمبر, 2020: 05:52 م

اكزافييه بافيه *

ترجمة : عدوية الهلالي

عندما يواجه العالم حقيقة تتجاوزه ، وعندما تكون حياة البشر على المحك ، تطفو على السطح أسئلة ذات طبيعة فلسفية.

لذا فإن فترة الخوف والذعر والألم هذه تجبرنا على إعادة التفكير في صميم حياتنا اليومية، والتساؤل الذي يظهر في هذا النوع من المواقف هو ماذا يراه الفلاسفة الذين ، على مدى 2500 عام على الأقل ، شككوا في العالم ، وذهلوا به ، ويسعون جاهدين للعثور على إجابات في العلم.

إن التساؤل لفهم العالم هو أمر جوهري للفلاسفة كما إنها الدهشة التي دفعت ، كما هو الحال اليوم ، المفكرون الأوائل إلى التكهنات الفلسفية. فأن تكون فيلسوفا يعني إذن أن تتمتع بقدرة معينة على الدهشة. هذه الدهشة لم تذهب سدى ، ويجب أن تجد إجابات لأنها تساؤلات ، فهي تثير القلق. وعلاوة على ذلك ، كان العلماء وعلماء الرياضيات في العصور القديمة فلاسفة أيضاً ، مثل طاليس ميليتوس.

وما يحدث الآن في هذه الأزمة الصحية يسبب الدهشة ،ويشير إلى فهم - أو بالأحرى سوء فهم - لما يحدث في العالم وفي نفس الوقت يفسح المجال للبحث العلمي. بعبارة أخرى ، لدينا في الوقت الحاضر طريقة معاصرة للغاية لتجربة ما يمكن أن يحدث في مناقشات الفلسفة القديمة ، مع الحفاظ على القضايا العلمية والأخلاقية. مثال على ذلك عمل البروفيسور راولت ، الذي حصل على نتائج أولية مشجعة ، ولكن في حالة عدم وجود بروتوكولات ثابتة ، هل ينبغي وصف الدواء؟ السؤال أخلاقي بقدر ما هو علمي.

إن مسألة فهم العالم والبحث عن إجابات للأسئلة ليست عملية شائعة ولا طبيعية. حتى اننا ، لم نعد في الوقت الحاضر نحاول إدهاش أنفسنا بل على العكس من ذلك نحاول تنظيم كل ما يحيط بنا. عالمنا كله وحياتنا اليومية ونفاجأ عندما يقال لنا: "لم يعد هنالك عمل ، المدارس ستغلق" هنا يتشظى نظامنا التقليدي وتضطرب حياتنا اليومية ..

إن إدراك عدم جدوى وجودنا لا يخلو من المرارة ولهذا نلاحظ سلوكيات المقاومة. فمنذ الساعات الأولى للحجر ، كان هناك من حاول المقاومة: "أنا لن تؤثر علي" ، "أنا لست نفس الشيء" ، "عملي مهم ما زلت أريد أن أذهب" ، إلخ. في وقت لاحق ، أفسحت المقاومة الطريق للذعر "سأشتري ، وأخزن" ، "اذهب إلى الريف لأنني أشعر بالحماية هناك" ، إلخ.

هذا الموقف مزعج للغاية لأنه يؤثر علينا بشكل فردي وجماعي ونلاحظ كيف يوجد مشاركة اجتماعية قوية للعواطف في المجتمعات . عندما يتعلق الأمر بمحاولة طمأنة نفسك ، وستكون الشبكات الاجتماعية موجودة من أجل ذلك والمفارقة هو أننا سنستمتع أيضاً بإخافة أنفسنا بطريقة معينة. والنتيجة مختلفة لأننا نجد أنفسنا في موقف تصديق المعلومات الخاطئة ، والتي نسارع إلى مشاركتها وننسى التفكير والفهم. لم نعد نفكر ، نحن غارقون في المعلومات ، ولم يعد هناك مسافة بين ما يحدث وبين التفكير الذاتي. فلايهم ما أفكر فيه بعد الآن ، ولا أعتقد أنني سأشاهد الأخبار طوال الوقت ، فقد سحقتني الأخبار. إذن كيف يمكنني فهم العالم المتفتح، والذعر يمنعنا من التفكير؟

بالنسبة للفلاسفة ، لا يتعلق الأمر بالذعر ، بل يتعلق بفهم ما يجري وبصورة أكثر تحديداً- كيفية التصرف كفرد في المجتمع. وفي الحالة الراهنة هنالك هذا التناقض بين الانسحاب إلى الذات والتضامن . ومن وجهة النظر اليومية ، فهذا مثير للاهتمام للغاية. يُقال لنا أن نكون متحدين ، لكن هذا لا ينجح إلا إذا كان لدينا سلوكيات فردية. فالعمل الفردي هو غسل اليدين وحماية النفس والحظر . يجب أن نقف معاً كما يكرر الحكام ، لكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال السلوك الفردي. وعلى مستوى مفاهيمي أكثر ، فهذا يعيدنا إلى معضلة القنفذ العزيزة على شوبنهاور. يجب أن تكون التفاعلات المجتمعية آمنة بالمسافة الصحيحة. لذلك علينا أن نجد المسافة الصحيحة بين الفرد من جهة والمجتمع من جهة أخرى وهذا ليس واضحاً ، فليس لدينا هذه العادة. إنه سؤال مهم أن تحاول إيجاد مساحة للتفكير بينك وبين المجتمع.

كيف سنعيش إذن في مواجهة القضايا الجديدة؟ 

إن هدف الفلسفة في العصور القديمة واضح جداً: وهو الرد على (كيف نعيش) ؟ وإذا كان الفلاسفة مهتمين بكيفية العيش ، في الفلسفة كطريقة للعيش ، فذلك لأن الوجود يتكون من قضايا دائمة: العاطفة ، البحث عن السلطة ، البحث عن المال ، الخوف ، الشيخوخة ، المرض ، الخيانة ، الموت. كل هذه الأسئلة تزعجنا وتمنعنا من العيش بهدوء. كلنا نعذب كبشر من الحياة وعقباتها. كيف نعيش رغم كل هذا؟ هنالك ثلاث مدارس فلسفية يمكن أن تنيرنا بشكل خاص لفهم هذا: الرواقيون ، الأبيقوريون ، المتشائمون. وهذه المدارس لا تعمل على إزالة الأمراض - حتى لو قالوا إن الفلسفة علاجية - ولكن على محاولة مكافحتها والحد منها. وتطور هذه المدارس ما يسمى "التدريبات الروحية". فكل الفلسفة القديمة هي تمرين روحي ، أي ممارسة تهدف إلى تغيير طريقة العيش ورؤية الاشياء ، في النفس أو في الآخرين ...إنه خطاب ، سواء كان داخلياً أو خارجياً ، وتنفيذ عملي. وبالنسبة لسؤالنا ، ربما يكون الرواقيون هم الأكثر صلة بالموضوع ، فهم الأكثر قدرة على العمل في هذه القضية لأن الرواقية هي فلسفة القبول. العبارة الأكبر هنا :"هنالك أشياء تعتمد علينا وهنالك أشياء لا نعتمد عليها" هي عبارة مضيئة للغاية. فما لا يعتمد علي مثلاً هو الوضع الحالي ، لأن هذا الفايروس أصبح وباءً. وما يعتمد علي هو التباعد الاجتماعي وقواعد النظافة واحترام الذات (الاعتناء بنفسك) إذا كنت تريد رعاية الآخرين. ولدى الرواقيين أربع فضائل أساسية يمكن وضعها في منظور السياق الحالي. الأول هو الحكمة ، وهي معرفة كيفية الترحيب بما يحدث بهدوء وسكينة. فلا تبحث عن شخص يلومه ولا تنزعج. والبعد الثاني هو العدالة. على سبيل المثال ، معرفة كيفية التفاعل مع الآخرين ، والتعليم ، واحترام التعليمات. والمحور الثالث هو الاعتدال. مرة أخرى ، يتعلق الأمر بعدم الاستسلام لذعر الشراء ، والتحكم في دوافعك ، والاعتدال في ملذاتك ، على سبيل المثال عدم محاولة المغادرة ، لشراء ما هو غير ضروري. والبعد الرابع هو الشجاعة لاتخاذ قرارات غير سارة ، لتقرير ما هو جيد للصالح العام ، فلديك الشجاعة لتغيير عاداتك. وهذه أربع فضائل مهمة في تحديد طريقة حياتنا.

علاوة على ذلك ، نظراً لوجود شكل من أشكال القيمة المضافة ، يُقال إن بعض الأشياء ضرورية والبعض الآخر ليس ضرورياً. لذا فإن غالبية الناس يخبرون أنفسهم أن ما يغذي حياتهم اليومية ، ولماذا يستيقظون في الصباح ، والمكان الذي يترددون فيه على جزء كبير من حياتهم ، ليس ضروريًا في النهاية. نحن ندرك أن هنالك مجالات كاملة من النشاط والوظائف والوقت الذي يتم قضاؤه هو بالتالي غير ضروري. وما يصبح مهمًا هو أن نسأل أنفسنا ما إذا كنا سنرى ما يكفي لتناول الطعام والبقاء بصحة جيدة

فماذا سنتعلم من هذه الأزمة إذن ؟

كلا هذين البعدين ،أي معرفة كيفية فهم العالم ومعرفة كيفية العيش ، هما في النهاية جذور الفلسفة. ويمكن أن يساعدنا الوضع الحالي على العودة إلى العناصر الفلسفية القوية والمفيدة فيما بعد الأزمة. لأنه يبدو أننا نشهد شكلاً من أشكال تدمير عالم في طور التقدم: العولمة ، والاعتماد المتبادل ، وضعف ترتيب أولويات الأموال العامة ، إلخ. ومع ذلك ، فإن الدمار يستدعي الخلق (التدمير الإبداعي الشهير) وما هو على المحك هو إنشاء العالم الجديد. أي كيف سيكون لدينا عالم قادم وكيف سيكون مختلفًاً عن العالم المدمر؟ عالم مبتكر ولكنه مسؤول أيضًا. ومع ذلك ، هناك خطر كبير من أن هذا العالم لن يتم تدميره بالكامل ولن يكون كما كان من قبل. ربما يقودنا تكرار الأزمات ، السارس ، كوفيد 19 ،إلى رؤية شيء آخر ولكن لا شيء أقل يقينًا ، فنحن لم نتعلم حقًا من الأوبئة الأخيرة ولم نتكيف حقًا مع أنماطنا الخاصة في الحياة من حيث النظافة ، والمعدات كالأقنعة ، إلخ. وعلى الرغم من علمنا أننا لم نكن مستعدين لوباء آخر ، لكننا لم نفعل شيئًا. ولكن ، هذه المرّة ربما سيكون لدينا خيار الدمار من أجل خلق عالم أكثر مسؤولية.

الدرس الثاني الذي نحتاج أن نتعلمه بعد الأزمة هو العمل الذاتي. وهذا درس آخر يأتينا من باسكال الذي قال إن "مصيبة الرجال هي عدم معرفة كيفية البقاء أو البقاء بمفردهم في غرفتهم". لماذا ا ؟ لأنك تريد أن تكون في رحلة ، في رحلة عمل ، للتسكع مع الأصدقاء ، والالتقاء معاً لتناول العشاء ، والذهاب في إجازة. أليس هذا كله سطحياً بعد كل شيء؟ أليس الوباء فرصة لتتعلم كيف تعمل على نفسك وتكون قادراً على العيش بصحبة نفسك؟ أليست هذه فرصة لإعادة إنشاء مساحة للفكر الفردي والجماعي الذي نفتقده ؟!

* فيلسوف والمدير الاكاديمي لبرنامج (كراند ايكول)

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

ماهي خارطة طريق المعارضة التركية للخلاص من إرث أردوغان؟
ترجمة

ماهي خارطة طريق المعارضة التركية للخلاص من إرث أردوغان؟

 ترجمة / المدى يريد تحالف المعارضة التركي متعدد الاتجاهات، الخلاص من إرث الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يمتد لأكثر من عقدين من الحكم المركزي للغاية والمحافظ دينيا.إنهاء دولة الرجل الواحد ينظر إلى صورة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram