علي حسين
لو كنّا شعباً جاداً، لو كان لدينا رأي عام، يملك التأثير، لو كانت لدينا منظمات مجتمع مدني حقيقية، وليست دكاكين للاسترزاق، لو كان هناك من يحاسب القاتل والسارق..
لو كان لدينا كل ما سبق أو بعض منه، لما قرأنا كل يوم خبر اغتيال أو اختطاف شاب ، جريمته الوحيدة أنه قرر التظاهر مندداً بالانتهازية السياسية وسرقة أموال البلاد، أو كنا شعباً يحاسب المسؤول لما تشكلت لدينا لجنة لمعاجة الفقر في بلد يعد أغنى بلدان المنطقة. ما الذي جعل اغتيال شاب شأناً لا يتعدّى بيانات خجولة من الحكومة، بينما التعرض لنائب أو سياسي قضية وطنية، يحاول الجميع ان يتصدى لها؟.
لماذا سكت ضمير الساسة والنواب عن هذا، وأخذ يصرخ عن ذاك؟ "المتظاهرون جوكرية وأولاد السفارات"، هذه الجملة التي كانت الرصاصة التي يقتل فيها كل يوم ناشط مدني.. وبعد ذلك نجد من يحاول إرهاب كل من يتحدث عن عمليات الاغتيال، سيقول البعض يارجل أنت بطران، فالدولة التي لم يهتز لها رمش بعد مقتل أكثر من 600 متظاهر، لا يمكن أن تحب هذه البلاد .. من منهم تأثر لصورة الأم الثكلى وهي تحتضن جثة ابنها صلاح الذي قتل وسط غابة من سيطرات الشرطة ؟، وكأن الأمر لا يعنيهم، المهم أن مهمتهم التعرض للفتيات والتضييق على المواطنين.. الأم التي وقفت مثل العراق الجريح تحتضن ابنها كان قبلها أكثر من 700 أم وقفن مثل الوطن يحملن أحزانهن، ويدور في رؤوسهن سؤال واحد: لماذا تصمت الدولة أمام القتلة؟
لو كنا بلداً يحرص على دماء أبنائه ويقدر قيمة المواطن، لما شاهدنا صورة أم صلاح ومئات الأمهات يلفهن الحزن على فقدان ابن أو أخ أو زوج.
للأسف لو حصل الأمر في بلد غير العراق، ومع ساسة غير ساستنا الأشاوس المأزومين دوماً والمصابين بمرض الخوف، لو حصل ذلك فلا اعتقد أن حزباً أو شخصاً أياً كانت مكانته السياسية يمكن أن يخوض معركة ضد شباب الاحتجاجات.. لأن المطلوب هنا هو أن يجتمع الجميع، الخصوم والمعارضة وحتى الطامعين في الحكم على أمر واحد لا لبس فيه وهو أن التعرّض لشباب الاحتجاجات خسارة وطنية لا تغتفر، لكن للأسف فنحن نعيش عصر المسؤول الذي لا يرى سوى نفسه.
في الدول التي تحترم مواطنيها نجد أكبر مسؤول في الدولة يقدم استقالته لو قتل مواطن، فيما نمارس نحن سياسة الجهل الذي يفسح المجال أمام ضحايا جدد.
ما يحدث من عمليات اغتيال وخطف يرسخ قناعات العراقيين بأن النتيجة الوحيدة لما حصل بعد عام 2003، هي استبدال حاكم مستبد ودكتاتور، بجماعات سياسية مستبدة، قد تصعب إزاحتها خصوصا إذا قررت أن تتصرف بمنطق "العصابات" لا بمنطق السياسة.