علي حسين
عندما دخل الجنرال ديغول باريس منتصراً، بعد الحرب العالمية الثانية، كان من بين أوائل التوقعات أن يذهب إلى ساحة النصر ليحيي الجماهير التي وقفت طوابير تهتف باسمه، لكنه غير مسار طريقه ليتوقف أمام تمثالين، الأول لكليمنصو الذي وقع وثيقة النصر في الحرب العالمية الأولى، والثاني لنابليون الذي جلس ساهماً وهو يوقع على بنود هزيمته، وحين شاهد الحيرة على وجوه مرافقيه، بادرههم بالقول:
"المستقبل للمنتصر، لكن علينا أن لا ننسى دروس الهزيمة"، وكانت تلك بالنسبة لقادة الجيش مفاجأة، فهم كانوا يريدون أن يقولوا للجنرال إنهم خاضوا معارك التحرير من أجل نسيان الماضي، لكن الجنرال يدرك جيداً أن الحروب تخلق الأسى والوحشة في النفوس.
تكررت في الأيام الأخيرة ظاهرة لا وجود لها إلا في هذه البلاد المغرقة في الخطابات والشعارات، تتلخص بمحاولة البعض أن يطمس دور المقاتل العراقي في تحرير بلده من عصابات داعش، ومنذ تحرير الموصل ونحن نسمع نفس النغمة ان ايران كان لها الفضل في القضاء على داعش .
عندما كنا ننتقد أداء الأجهزة الأمنية ونطالب بالحفاظ على قيمة الجيش والقوات الأمنية، فهذا لأننا نريد جيشاً وطنياً يكون للعراق والعراقيين جميعاً بعيداً عن الانتماءات الحزبية، وليس جيشاً يدافع عن فشل الغراوي ويهتف باسم كنبر، ويخشى الجماعات المسلحة التي تريد ان تقول ان العراق ملك لها .
اليوم وغداً سنرفع شعار "حافظوا على الجيش العراقي من أذناب الفاشلين، ومن السياسيين الفاشلين الذين يحلمون أن تكون هذه القوات داعماً لهم للسيطرة على مؤسسات الدولة، حافظوا على الجيش من الذين يتخيلون أن حل مشاكلهم سيكون بإلقاء القبض على المختلفين معهم في الرأي".
اليوم من حقنا أن نطالب بأن يكون للجيش الدور المحوري في التصدي للفوضى التي يريد لها البعض ان تعم في هذه البلاد ، وعلينا جميعاً أن نقف احتراماً وتقديراً لكل مقاتل قرر أن يرفع شعار العراق اولا وثانيا وثالثا .
وفي ظل الفوضى التي يراد لها ان تعم وتنتشر ، هناك من يدافع عن حق تركيا في قصف العراق ، ونجده يكتب منتشيا ان انقره ستنقذ بغداد من الافلاس ، وان السلطان اردوغان سيدفع المليارات من اجل عيون العراقيين.
ياسادة العراقي يحتاج ليكون ساذجا تماما وربما فاقدا للذاكرة لأقصى درجة ليصدق ان تركيا تريد ان تنقذ العرق من الافلاس ، وان طهران تفضل مصالح اهالي بغداد على مصالح اهالي طهران ، فالناس تدرك جيدا أن بعض السياسيين ساهموا ويساهمون في تقديم العراق على طبق من فضة إلى دول العالم كافة، ويدركون أن كثيرا من السياسيين لهم قدم في بغداد وأخرى في طهران او انقرة .