علي حسين
قبل أن تتحول فضائياتنا إلى حلبة للشتائم والتباهي بكره العراق، وقبل أن تظهر جماعات تحذر من الاحتفال بأعياد الميلاد لأنها "حرامس"، وقبل أن تستفحل الانتهازية واللصوصية ومعهما الخراب والطائفية، قبل قرن من هذا الزمان العجيب قرّر الأب أنستاس الكرملي أن يجعل من بغداد حاضرة للثقافة والعلم، كان الكرملي الذي لم يخلع ثوب الرهبنة ،
قرر ان يعقد مجلسه يوم الجمعة لما يمثله هذا اليوم عند المسلمين، فبماذا كان رواد المجلس يتحدثون؟ لم يكن هناك حديث عن الاستحقاق الطائفي في الجامعات، ولا عن حصة المكون، كان الفكر والثقافة والتعليم هي الأهم في المجلس، لأنها السبيل لرقيّ العراق وتقدمه ومن دونها سندخل في صراعات مذهبية وسياسية، كان العراقيون آنذاك يكدّون ويسطّرون ملحمةً يومية في وجه من يريد أن يغيّر هوية البلاد وثقافتها، من الموصل جاء متّي عقراوي الذي سيصبح عميداً لدار المعلمين العالية، ومن أقصى القرى الموصلية سوف يقدّم المسيحي سليمان صائغ، مسرحيات تروي تاريخ الإسلام ، ومن الموصل أيضا جاء المسيحي فؤاد سفر ليصبح سيد الآثاريين. وفي بغداد يكتب المسيحي رفائيل بطي ان العراق هو حاصل مجموع الكرامة والخبز والحرية فحذار من التلاعب بهذا الثالوث.. والعراقي مقدس.. العراقي مقدس.ومن الناصرية سينادي المسيحي يوسف سلمان يوسف "فهد "بوطن حر. ومن الكرادة سوف يذهب المسيحي ميخائيل عواد إلى مدن العالم يجمع المخطوطات الإسلامية . ومن كركوك نزلت المسيحية بولينا حسون لتؤسس أول مجلة نسائية ، وتشارك صديقتها أسماء الزهاوي ابنة مفتي العراق أمجد الزهاوي في ادارة نادي النهضة النسائية ، ومن أربيل جاءت الجميلة عفيفة اسكندر ليصبح اسمها بين ليلة وضحاها على كل لسان. فيما أصرّ الأرمني أرشاك على أن ينقل بعدسته أحاسيس العراقيين ومشاعرهم، وعندما قرر أمري سليم أن يرافق عبد الكريم في جولاته اختار أن يسمي نفسه الحاج أمري.
قرون وجوامعنا في جنبهن الكنائس مثلما كتب ، أحمد حامد الصراف:
وسوف يعيش الشعب في وحدة
عمائمنا في جنبهن القلانس
فيما يكتب العلامة مصطفى جواد:
ياسائرا ووجيب القلب صاحبه
لنا ببغداد من بين القسوس أبٌ
طُرد المسيحيّون من ديارهم في العراق، وقُتلوا بدم بارد، فيما تنازع على حريّة الناس في بلاد الرافدين نوعان، الأول يشرّع قوانين تحوّل الإخوان المسلمين إلى زعماء لأحزاب مدنية، والثاني يضحك عليهم بفتاوى من عيّنة لا تجوز تهنئة المسيحي والصابئي في أعيادهما.
يا أبناء بلدي الطيبين في كل بقاع الأرض وأنتم تحتفلون بعيد الميلاد، لا تنسوا العراق وهو يلوذ بكم حاملاً صليبه.
يا أبناء بلدي سلاماً عليكم وأنتم توقدون شمعة عام جديد، فستظلّ ملامحكم تختلط بملامحنا، كلانا سينتصر في النهاية، وكلانا سيظلّ يغنّي مع ناظم الغزالي: سمراء من قوم عيسى.