TOP

جريدة المدى > عام > ماذا نقرأ .. الوجوديون في مقهى باريسي

ماذا نقرأ .. الوجوديون في مقهى باريسي

نشر في: 23 يناير, 2021: 10:11 م

علي حسين

في السادسة عشر من عمرها قررت أن تجازف بإنفاق المبلغ الذي حصلت عليه من جدّتها بمناسبة عيد ميلادها من أجل شراء نسخة من رواية " الغثيان " لجان بول سارتر ..

كانت سارة بكويل المولودة في الثالث من نيسان عام 1963 في مدينة بورنماث في بريطانيا تعيش مع والديها في الفندق الصغير الذي يديرانه ، وتتذكر أنها في السابعة من عمرها كانت تجلس قرب والدها الذي كان يملك وقتها دكاناً صغيراً لبيع الكتب في سيدني باستراليا ، آنذاك كانت مأخوذة بألوان المجلدات التي تزدحم بها الرفوف ، بعد سنوات ستخبر والدتها أنها تتمنى لو أن اسمها يصبح ضمن الأسماء التي تحويها رفوف المكتبات . تدرس الفلسفة لتحصل على شهادة الدكتوراة برسالة عن مارتن هايدغر ، لم تجد لها وظيفة في الأوساط الاكاديمية فقررت العمل في مصنع لصنع أكياس الشاي ، بعدها ستتمكن من الحصول على عمل في مكتبة ويلكوم في لندن ، هناك ستجرب الكتابة لتصدرعام 2002 أول كتبها عن عمليات التزوير التي حدثت في القرن الثامن عشر وقد مكنها عملها في المكتبة والذي استمر عشر سنوات ان تحصل على وثائق تاريخية مهمة ، عام 2005 يصدر كتابها الثاني عن " يورغن يورغنسن " وهو أحد الرموز الثورية في الدنمارك في القرن التاسع عشر ، وكان مغامراً ومستكشفاً وكاتباً للمقالات ، إلا أن الكتاب الذي وضع بكويل في قائمة الكُتاب المهمين كان بعنوان " كيف تعاش الحياة أو حياة مونتاني "

بعد سنوات ستعود ساره بكويل الى رواية " الغثيان" التي قرأتها المرة الاولى عام 1979 ، حيث وقعت في غرام الرواية التي عَرفها سارتر بانها :" رواية عن اغتراب الشخصية ولغز الوجود " وسرعان ما أدركت بأنها وجدت طريقاً جديداً لحياتها .. :" علمني سارتر أن أهجر المدرسة ، وأتجاوب مع العالم بخفة ، ولكنه جعلني أدرس الفلسفة أيضاً " ..بعد سنوات ستلاحظ طالبة الفلسفة " سارة بكويل " أن البنيوية والتفكيكية تحاولان الإجهاز على ما تبقى من تراث الوجودية ، ويعمل روادها على تشييع الفلسفة الوجودية الى مثواها الأخير ، في الجامعة كانت تضحك من سخرية الطلبة وهم يرددون أمامها : هل صحيح إن الله مات ؟ ، في ذلك الوقت كانت تحاول أن تحل ألغاز مفاهيم مثل الوجود والحرية والعدم ، فتذهب الى حديقة الجامعة تنظر الى الاشجار العملاقة على أمل أن تفهم الحياة بشكل أعمق، وستتفرغ لقراءة فلاسفة الوجودية من كيركغارد وانتهاء بميرلو بونتي ، تقول لأحد زملائها إن هؤلاء الفلاسفة يهتمون بالأفكار اكثر من الحياة ، لكنها بعد سنوات ستكتشف أن " الوجودية تؤمن بأن الأفكار مهمة، لكن الناس أهم بشكل واسع" ..وهكذا قررت أن تغوص في حيوات سارتر، سيمون دي بوفوار، ألبير كامو، ريتشارد رايت، هايدغر، موريس ميرلو بونتي، إدموند هوسرل، جان جينيه وايريس مردوخ ، لتتبع التاريخ الفكري لهذه المجموعة المتعددة من الأسماء .وبسبب انشغالها في الحياة ، وإدراكها أن الوجودية قد تجاوزتها موضوات جديدة من الأفكار ، وعلى مدى عقود من الانقطاع عن الدراسة تعود بكويل لتتصفح كتب الفلسفة الوجودية من جديد، حيث راحت تنفض التراب عن " الوجود والعدم " والوجود والزمان " وكتاب ميرلو بونتي " المرئي واللامرئي " .. فوجدت نفسها وهي تعيد قراءة هذه الكتب تضع ملاحظات أو هوامش ، واكتشفت أن الحركات التي حاولت أن تزيح الوجودية عن الطريق ، شاخت وآلت الى نهايتها ، فلم يعد احد اليوم يهتم بالبنيوية أو التفكيكية ،لكن الوجودية واسألتها الكبرى لا تزال حاضرة . ورغم أن بكويل تتخبرنا في كتاب " على مقهى الوجودية " – ترجمة حسام نايل - ان اللحظة التي شهدت بدء النقاش بين سارتر ودي بوفوار حول محاضرة مارتن هايدغر الموسومة " ماهي الميتافيزيقيا ؟ " عام 1933 هي اللحظة التي ولدت فيها الفلسفة الوجودية، إلا أنها تورد في كتابها روايات وحكايات مختلفة لشخصيات متعددة، فنكتشف حينها تواريخ عديدة للحظة مولد الفلسفة الوجودية ، كما إن الكتاب يطرح سؤال هل كان سارتر ام هايدغر هو الذي منح الحياة من جديد الى الفلسفة الوجودية في القرن العشرين ، ومن له قصب السبق في ولادة الفلسفة الوجودية الحديثة ؟ ، فنجد أنفسنا نقرأ روايات كل واحد منهم بشكل ممتع و ساحر للغاية..

في مقهى الفلور سيثير منظر سارتر بغليونه وهو يجلس منشغلاً بكتاب في يده .. لا وجود سوى لفنجان قهوة ، وسيمون دي بوفوار منشغلة عنه بالقراءة ، انتباه زبائن المقهى الذين يحدقون إليهما ويتهامسون . في تلك السنوات استطاعت الوجودية أن تجتذب الشباب الذين سيطلقون على أنفسهم " وجوديون " ، وقد أصابت الوجودية وتراً حساساً عند الفرنسيين ، إنها مرحلة ما بعد الحرب فقد اكتشف قرّاء سارتر أنه ينبههم إلى الكوارث التي تحيط بهم ، ويعرض لهم الواقع بوجهه الأكثر وحشية ، وإن فلسفته هي اعتراف بالوضع الإنساني المرعب والسخيف ، لكنها رغم ذلك تصر على اعلاء مبدأ حرية الإنسان واختياره طريقة عيشه .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

مشاركة 25 ألف مركبة خاصة و350 باصاً في نقل الزائرين

660 ألف طفل في قطاع غزة لا يزالون خارج المدارس

وزير الخارجية: القوات الأمريكية ستبقى في العراق بظل إدارة ترامب الجديدة

إيران: استقالة المسؤولين الإسرائيليين دليل على هزيمتهم

اسعار النفط العراقي تهوي لما دون 80 دولارا

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram