TOP

جريدة المدى > عام > مجيد الموسوي.. رثاء النفس عبر رثاء الآخر

مجيد الموسوي.. رثاء النفس عبر رثاء الآخر

نشر في: 1 فبراير, 2021: 10:03 م

خالد خضير الصالحي

تمر خلال الشهر الأول من كل عام ذكرى وفاة الشاعر العراقي مجيد الموسوي (البصرة 1943)، أقدم أولاً نصين:

الأول نشره قبل عقد تقريباً، واحسست به أنه (يرثيني) وأنا حي، والثاني يرثي به الشاعر مهدي محمد علي بعد وفاته، وكلا النصين يرثي بهما نفسه عبرنا، في حقيقة الأمر.

الرسام يكتب

مجيد الموسوي

الى: خالد خضير الصالحي

1

والان،

يا صديقي الجميل، المدهش، العنيد،

ما الذي قد تبقّى

وها أنت محاصر

من كل الجهات

من كل جهاتك

من المشرقين

ومن المغربين

من الأصدقاء ومن الأعداء

2

من القريب ومن البعيد

من الصوت ومن الصدى

من الجحيم ومن الفردوس

من النجمة ومن الرماد

3

محاصر من الجمر والتراب والهواء

من الأرض والسماء والكواكب

من الأحجار والرمال والفيافي

من القرى والمدائن والمواسم

من الناس والأرصفة والساحات

محاصر من الحدائق والأسيجة والأشراك

من الرايات والوجوه والصحف

من الشذاذ والغرباء وعابري السبيل

من القرويين وبائعي الصحف وربات البيوت

من المراهقين والسكارى وعمال المطاعم

من كلاب آخر الليل واللصوص والعاهرات

من الكورنيش والتماثيل وأعمدة الكهرباء

من القمامة والمتسولين وذوي العاهات

من بيوت القصب ومكاتب السمسرة والمباغي

من اأزقة والمقاهي والستلايت

5

هكذا، أنت

محاصر من كل هذه الكائنات

ومطالب أن تدخلها في مشتبك أصابعك

وألوانك

وريشتك

وقماشتك

ولكن

ما الذي أنت فاعل

وأنت محاصر

المتربصة بك

البنادق المتوحشة

المصوبة نحو قلبك!

من مجموعة (يوميات الربيع الدامي) مهيّأة للطبع

*****

موت المغنّي

في رحيل الشاعر مهدي محمد علي

مجيد الموسوي

شتاء 2011

البصرة

باردة

وموحشة

تلك الغرفة

التي كانت عامرةً

بالدفء

والطبولْ...

أيتها المزاميرُ

كفي عن الغناء

فقد انتهى الحفل!

*

وقد آن لي

أن أقولْ:

وداعاً إذن

يا أميري الجميلْ!

................

أهذا، اذن، آخرُ المنتأى

آخرُ الأرضِ

آخرُ

هذا

الطوافِ الطويلْ؟

أهذا، اذن، آخرُ الحلمِ.

شاهدةٌ نصفُ ماثلةٍ

وترابٌ نديٌّ

تسفسفهُ

الريحُ

تأتي وتمضي..

وتأتي

وتمضي.,..

وكفّاك مسبلتانِ

وعيناك مغمضتانِ

وليل يطوّقُ

قبرَكَ...

ليلٌ

ثقيلْ...؟

أهذا، إذنْ، آخرُ العمرِ؟

................

ياللزمانِ البخيلْ!

*****

كتبت مرة مقالاً بعنوان: " مجيد الموسوي.. رثاء النفس عبر رثاء الآخر" وهو مقال فقدت أثره، ولكنني اتذكر أنني قدمت فيه رؤيتي النقدية لديوان الشاعر الموسوي (كوابيس أنكيدو)، حدّدت فيه المهيمنات التي تلقي بثقلها على ذلك الديوان، وعلى منجز الشاعر مجيد الموسوي وعلى منجز اثنين من مجايليه في الشعر البصري هما: عبد الخالق محمود ومصطفى عبد الله، وهذه الصلة هي أن الشعراء الثلاثة يرثون أنفسهم وهم أحياء، فكتبت موضوعاً عن ثيمة ((رثاء النفس من خلال رثاء الآخر)) وتناولت فيهما تجربتي الشاعرين عبدالخالق محمود ومجيد الموسوي، ومنذ ذلك الوقت بدأت تهيمن على تفكيري حقيقة، وتلقي بثقلها عليّ، وهي أن هؤلاء الشعراء الثلاثة الاصدقاء تسمهم سمة مشتركة على الرغم من الطابع الذي تتفرد به كل تجربة من تجاربهم عن الأخرى.

إن المرثية تهيمن عليها ثلاث قوى (ألسن ثلاثة) فصّل الحديث عنها الناقد الدكتور ناظم عودة في كتابه "نقص الصورة وتأويل بلاغة الموت"، فبحثت في علاقات (المرثي/الراثي) في ديوان مجيد الموسوي، بين لسان المرثية باعتباره الواقعة المتحققة لعملية الرثاء، وفعل الإقصاء الذي تمارسه هذه القوة لاقصاء الراثي، فالراثي كما بدا لي في قصائد الموسوي، وفي كل المراثي، غالباً ما يزاح خارج فاعلية الرثاء، ليصعد نجم القوة الثالثة (المرثي) التي سيشكل محور الرثاء حولها وفيها، فيغدو (لسان المرثية) مهيمناً بوصفه وثيقة من وثائق المرثي، وتابعة لتاريخه الشخصي، وربما هي آخر الوثائق المتحصلة من الغياب المادي للمرثي، وقد انشقت عن هذا النسق مرثية كتبها "مالك بن الريب الذي كتب مرثيته الشهيرة بنفسه فكان هو الراثي، والمرثي، وقوال المرثية وصاحبها ايضا"، وبذا يكون قد هيمن على قوى المرثية الثلاث، مرثيته الشهيرة التي تبدا:

ألا ليتَ شِعري هل أبيتنَّ ليلةً بوادي الغضَى أُزجي الِقلاصَ النواجيا

فَليتَ الغضى لم يقطع الركبُ عرْضَه وليت الغضى ماشى الرِّكاب لياليا

لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى مزارٌ ولكنَّ الغضى ليس دانيا

ألم ترَني بِعتُ الضلالةَ بالهدى وأصبحتُ في جيش ابن عفّانَ غازيا

وأصبحتُ في أرض الأعاديَّ بعد ما أرانيَ عن أرض الأعاديّ قاصِيا

....الى نهاية القصيدة.

ونحن نشير الى قضية مهمة في رثاء مجيد الموسوي للآخرين، حيث كان (يبلبل) متلقيه حينما يستعير، او يتقمص شخصية من يرثيه، ففي ديوانه (كوابيس انكيدو) تقمص شخصية انكيدو عنواناً ومدخلاً ونصوصا لديوانه، فالمرثي انكيدو (=مجيد الموسوي) والراثي جلجامش (=مجيد الموسوي) والنص (كوابيس انكيدو) الذي هو في النهاية نص مجيد الموسوي وحده، وأبطال النص شخصيات رمزية غالباً ما تُستبدَل مختلف الاستبدالات، فأبدى الشاعر" الموسوي ضروباً من القدرة، وتوظيف وسائل التماهي، و(الاحتيال) على القارئ في رثاء ذاته من خلال رثاء الآخر ببلاغة موهبته، ليكون هو الراثي، وهو المرثي عبر الاخر، وهو ممتلك المرثية= النص الشعري، كما في قصيدته "أحزان ليلة الأحد":

"حينَ انحنيتُ أقبّلُ وجنتيكِ الباردتين

تلك الليلة شممتُ رائحةَ الحليبِ الأول بشفتيَّ المبللتينِ بالدمع

كنتِ نائمةً كسراجٍ مطفأٍ

ويداك مكبلتين بالسكون

وجسدُكِ هادئاً

كسنبلةٍ قُطعَتْ وأُلقيتْ فوق التراب..

الترابُ الذي صارَ سرَّ يدِكِ".

كان مجيد الموسوي يحاول انشاء نص يحاول فيه تلمس محنة الميت (=الشاعر ذاته) الذي كان ما يزال وقتها حياً، فيعمد إلى افتراض نفسه في نص مفتوح الأسئلة، تهيمن عليه الطياتُ الغامضةُ والخروم، وعبره يدخل ذلك العالمَ الغامضَ وهو يتأسى على نفسه:

"سأبدأُ من الزمنِ الذي لا زمنَ له

واعرف إنني سأنتهي

منطقةً مجهولةً

سأدخلُ

غابةَ الأسئلةِ المحيرة".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

مشاركة 25 ألف مركبة خاصة و350 باصاً في نقل الزائرين

660 ألف طفل في قطاع غزة لا يزالون خارج المدارس

وزير الخارجية: القوات الأمريكية ستبقى في العراق بظل إدارة ترامب الجديدة

إيران: استقالة المسؤولين الإسرائيليين دليل على هزيمتهم

اسعار النفط العراقي تهوي لما دون 80 دولارا

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram