ثائر صالح
انتشرت في الوسائط الاجتماعية قصة عن البيانو الذهبي الذي شوهد خلف ملكة بريطانيا اليزابث الثانية وهي تلقي خطابها بمناسبة أعياد الميلاد في سنة 2018.
فقد شاع أنه كان ملكاً للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وأخذه البريطانيون غنيمة حرب وأهدوه الى ملكتهم بعد احتلال العراق في 2003. يصدق الكثيرون هذه القصة الخيالية ويتناقلونها ويعيدون نشرها ويبذلون الوقت في كتابة مداخلات حامية تلعن صدام أو الإنكليز – لا فرق، رغم أنهم يستطيعون التحقق من صحتها في لحظات باستعمال نفس الوسائل، نقرتين على محرك البحث ويأتيك الجواب. وهذه ظاهرة منتشرة في عصر الفيسبوك والانترنت، فالكثيرون يرددون هذه الاشاعات والأكاذيب وغيرها دون التحقق منها رغم سهولة هذا اليوم. ويخال للمرء أن هذا الاصرار على الاشاعة مقصود وهو هدف عدد كبير من مستخدمي الوسائط الاجتماعية (لا أتحدث هنا عما أصبح يعرف بالجيوش الالكترونية).
البيانو الذي شاهدناه خلف الملكة اليزابث الثانية هو بيانو صنعته شركة إرارErard الفرنسية خصيصاً لفيكتوريا ملكة بريطانيا سنة 1856. عرف فيكتوريا وزوجها ألبرت بمحبتهما للموسيقى ورعايتهما الموسيقيين ودعمهما نشر الثقافة الموسيقية (ولا تزال صالة الأمير ألبرت بين أشهر صالات الموسيقى في لندن). ونعرف أن فيكتوريا تدربت على الغناء والعزف على البيانو وألبرت العزف على الأورغن والبيانو، وكانا موسيقيين متحمسين. أما إرار فهي واحدة من ورش صناعة البيانو الشهيرة، أسسها سيباستيان إرار (1751 – 1831) وعمل فيها معه أخوه جان-باتيست (1749 – 1829) وانتعشت الورشة بعد صنع أدوات موسيقية فاخرة بطلب من الملكة ماري – أنطوانيت. أدخل سيباستيان إرار العديد من التحسينات عل صناعة البيانو وله ما بين 15 – 20 براءة اختراع سجلها في بريطانيا لوحدها. من اختراعاته تقنية تسمح للعازف بتكرار النغمة بالسرعة التي يستطيع، مما فسح المجال أمام توسيع وسائل تعبير المؤلفين وظهور المزيد من العازفين المهرة. امتلك عدد من أمهر العازفين وأشهر المؤلفين بيانوات من صنع إرار، مثل فيلكس مندلسون وفرانس ليست. وكان مندلسون ضيفاً كثير التردد على قصر بكنغهام اثناء زياراته العديدة لإنكلترا، ويحتفظ القصر بمخطوطة له وزع فيها أحد أعماله من مجموعته الشهيرة أغاني بدون كلمات ليعزف بأربع أيادي حتى تتمكن الملكة فيكتوريا والأمير ألبرت عزفها سوية. علاقة عائلة هانوفر المالكة في بريطانيا وثيقة بالموسيقى منذ أول ملك منها يعتلي العرش، وهو الملك جورج أمير هانوفر (1714)، وأعطت الأصول الألمانية لهذه العائلة الفرصة للكثيرين من خيرة الموسيقيين الألمان للقدوم الى انكلترا من هندل حتى مندلسون. وكانت فيكتوريا آخر ملوك هذه السلالة وحكمت من 1837 حتى وفاتها سنة 1901.
صنع هذا البيانو الكبير من أجود أنواع أخشاب الصاج الماهوغني والعنبر والصنوبر ومن البراص ومن إطار برونزي، البيانو مذهب رسمت عليه مناظر دقيقة مثبتة بالورانيش رسمها سيمون جاك روشار (1788 – 1872). في الحقيقة نقلت هذه الرسومات من بيانو آخر من بيانوات الملكة فيكتوريا بسبب محبتها لها ووضعت على البيانو الجديد الذي كان أكبر حجماً مما تطلب إضافة نقوش وإطارات من البراص لتغطية كل الهيكل الجديد.
فلم قصير عن البيانو من مجموعة القصر الملكي