ياسين النصيِّر
عتبة العنوان
تمتلئ هذه الرواية بمجموعة من العتبات،عتبة العنوان"لقاء الجمعة" عتبة التصدير "الاستهلال"عتبة أولى، التي تشكل ثيمة"ما من شيء يحدث في النص إلا وله نواة في الاستهلال" * عتبة النهاية "عتبة أخيرة، عتبتة الهوامش:
اقتباسات من أراء النقاد والكتاب، وكل هذه العتبات مناصات وممهدات لسبيل السير في شعاب الرواية، بعضها لايخص الرواية سنهمله وهو عتبات أقوال النقاد، وبعضه جزء من بنية الرواية وهو العنوان وعتبتا البداية الاستهلالية والخاتمة.
ماذا تحتوي عتبة الرواية"لقاء الجمعة"؟
تضعنا عتبة العنوان في إشكالية بنية الزمان والمكان، وهي إشكالية إجرائية قبل أن تكون إشكالية معرفية أو فلسفية. وابتداء من العنوان"لقاء الجمعة" نجد أنفسنا في مفهوم زمني لّلامكان، وهو يوم الجمعة، فإذا جئنا لمعنى اللقاء، وهو -هنا جاء بصيغة النكرة التي تمثل المسند- نجد أن مفهوم اللقاء مفهوم عائم، فليس هو حوار، ولا تبادل أراء، ولا أحاديث بين شخصيات، ولا صور قلمية، ولا هو تحقيق صحفي او مقابلة أو استطلاعً عن اتجاه او فكر، ولا هومقطوعة نثرية أو قصة أو قصيدة، ولا هو ريبورتاج، من هنا يضعنا غياب هوية اللقاء في مفهوم اللانص، ومفهوم اللا نص باعتباره سرداً، هو مفهوم لازماني ولا مكاني، مفهوم مرتبط بتقنية اللابتوب، وهذه الآلية هي الأخرى عرضة للتثبت أو المحو، لأنها آلية معاصرة بتقنية غير مستقرة على شكل، فاللقاء لازماني ولا مكاني، أي فضاء اللا مكان. لأنه مستخلص من أمكنة لم تحدد بزمان إلا يوم الجمعة، ويوم الجمعة هو الآخر ليس زمناً محدداً كما نرى. أن يوم الجمعة الذي يتم اللقاء فيه، سنجده هو الآخر يوماً ملتبس التشكّل. نحن نعرف أن يوم الجمعة وفق الرؤية الميثيولوجية؛ هو الزمن المقتطع من أيام الأسبوع الستة، التي كونت يوماً سابعاً استوى فيه الخالق على العرش الكوني، فاليوم السابع"الجمعة" ليس يوماً كباقي أيام الأسبوع، فهو يوم كلي، لازمني ولا مكاني، ما يحدث فيه هو خلاصة لما حدث في أيام الأسبوع الستة، لذلك يلتقي الناس فيه للصلاة جمعاً، وكأنهم يلتقون في كل أيام الأسبوع من خلال الصلاة وعرض المشكلات والاستماع للحلول وتبادل الرأي وخطاب الرجل الديني المتلبس بخطاب السلطة، ولذلك كان ليوم الجمعة هوية سياسية ومكاناً سياسياً هو الجامع، ومهمة الجامع هي تكوين الجماعة التي ستبليغ برسالة السلطة للعامة في أمور دينهم ودنياها وحياتهم وآخرتهم، وتكون الصلاة الجماعية هوية ليوم الجمعة، فالجمعة، بهذا المعنى الديني والمثيولوجي غير محددة بزمن وضعي خاص بها، لأنها تتألف من أجزاء لأيام ماضية من أيام الأسبوع الستة،كما كانت سفرة السندباد السابعة هي خلاصة لسفراته الستة، وتنفتح مهمة يوم الجمعة على الأيام المقبلة، فهي زمن ما بيني، فيه تختمر البنية الجدلية للقضايا السابقة ولما يتصوره الناس عما يحدث فيها، وتمهد لما سوف يعمله الناس في الأسبوع المقبل، لذلك فالجمعة فضاء لازمني، لأنها عبارة عن مجموع الأجزاء المقتطعة من أيام الأسبوع. وكما يشير مايكل أوجي، إلى أن مثل هذه الفضاءات اللازمانية، هي أطلال، أي أنها أزمنة متراكم تعبرعن احداث مختلفة، تتجمع كلها في يوم الجماعة وفي مكان اسمه الجامع ويؤمه رجل يمثل رأي الجماعة /السلطة. لذلك سيكون يوم الجمعة زمنا طللياً، بمعنى أن الجمعة هي اليوم الزمني الطللي الكلي. وعودة على القصيدة الجاهلية، نجدها مجموعة من البنى الزمانية المختلفة، أبيات عن الأطلال، ثم أبيات على العشيرة، وأبيات عن الحب والغزل والنسب، وأبيات عن الصحراء والحيوانات، وابيات عن البادية...الخ، وهكذا تكون القصيدة الجاهلية مجموعة أطلال زمنية ومكانية لموضوعات متعددة. كونت اطلالها عبر مسرودها الفني، وبتراكم أزمنة هذه الأيام يخلق الروائي فضاء نصه المتعدد الأجزاء كما سنرى في مسرود الرواية. سبعة لقاءات وسبع جُمع،"بهوية التذكير والتأنيث" وهو ما يعني كلية ثيمة "لقاء الجمعة"، سفرة سابعة، حاملة لأزمنة غير محددة باربع وعشرين ساعة، هذه الكسر الزمنية التي شكلت فضاء الجمعة اللا زمني للرواية، هي الثيمة المنفتحة على الزمان والمكان العراقيين. ثيمة الفكر الماركسي الذي اعتمدته الرواية كلحمة بين البادية والمدينة،المعاصرة والمثيولوجيا، النضال والوجود في الأرض العراقية. وهو الفضاء الـ "مابيني" أي فضاء التواصل بين أيام مضت للسجناء وحياتهم من خلال مرويات سهيل السماوي، وايام ستأتي وهم في نقرة السلمان حيث يتركهم الروائي يصنعون حكايتهم خارج النص، لذا تكون اللقاءات، والاستذكارات، والبدء بمشروعات جديدة، هي من ثيمات يوم الجمعة ، كطرائق لمسرود حكائي وتجديد للعقد الاجتماعي الذي يضمن الناس فيه وحدتهم. فيوم الجمعة هو يوم التحقيق لما جرى في أيام الأسبوع. لذا يتم فيه تعطيل الأسواق والعمل لاقترانه بالإجازة والعطلة والراحة والانصراف للعبادة واللقاءات الأسرية، لذا فهو فضاء اللازمن. فمادام هناك يوم جمعة سيكون الزمن مطلقًا وغيرمحدد، وما دام هناك لقاء يحدث في يوم الجمعة سيكون اللقاء بلا هوية وبلاشكل معين، سيتخذ كما في فصول الرواية اشكالاً مختلفة للكلام المسرود" البرقية، الهجرة، الزهرة، المظاهرة، الخناق، النفق...الخ"وكلها تتم من خلال الحديث مع سهيل السماوي. بناء على ذلك الإطلاق اللامكاني واللازماني سيكون لقاء الجمعة أمميًا، بمعنى أنه ليس لقاءً شخصياً ولا لقاءً بين طوائف وملل وقوميات وأحزاب، وإنما هو لقاء بين محقق وشخوص اشتركوا في مهمة أو عمل أو مهنة أو أرومة سياسية كونية وأممية، سجنوا من أجلها.
أما أمكنة الرواية التي شملتها اللقاءات فهي الأخرى لا مكانية بالرغم من وجودها في البادية، والمكان الذي ولد الرواية وشعابها هو سجن بعقوبة وسجن نقرة السلمان، ولن اخوض في دلالة المكانين "السلمان" و"بعقوبة" فهما ملحقان بمكان جذري هو"السجن" وستكون ثيمة "النقرة/ الحفرة، دالة عليهما/ نقرة السلمان النائية في بادية السماوة، هي الزمن اللامكاني المثيولوجي الذي يلخص التواريخ كلها، النقرة/ برمزية البئر هي النموذج لتراكم هذا الزمن المثيولوجي، أما الحفرة فتقترن بسجن بعقوبة هي الممر الباطني الذي حفره السجناء للهروب من السجن والعودة إلى المجتمع /الأم بعد أن قرروا الخروج من رحم السلطة كعقم للأم الولودة، هنا نجد مفهوم النقرة/الحفرة، مفهومًا لامكانيا أيضاً، لأنها بدلالة النقرة / الحفرة، أصبحت جوفاً زمنياً، شأنها شان بئر يوسف، وغار النبي، وكهف أفلاطون، وحوت يونس، وصحراء موسى، ونخلة مريم، وأبار البادية ، هذه الأمكنة لا مكانية لأنها كلية البنية مرتبطة بميلاد أفكار كونية، أممية، فنقرة السلمان مرتبطة بالشيوعيين، لأن النقرة/ الحفرة، في العنوان ليست جسراً ولا مقهى ولا قصراً، انما نقرة، والنقرة، فضاء لامكاني /لازماني مكثف،بهيئة العمق الى العالم المخفي، الذي يرتبط بالمحجوب والمستترفي بادية الأفكار، ربما تكون بئراً، أو واحة، أوعلامة، تدل على الفكر الأممي الكوني، لأن النقرة دالة على التبئير الزمكاني، أو التراكم التاريخي، وإذا عرفنا أن "نقرة السلمان " تقع في بادية السماوة الممتدة، نجد ان فضاء البادية اللامكاني يضفي وجوده على محتوياتها الرواية وعلى الفكر الشيوعي كفكر أممي، حيث لا يحدهما مكان ولا زمان، لذلك تكون أمكنة الرواية جزءا من هوية التحقيق، حتى لو كانت سجناً معلناً كنقرة السلمان. هذا الارتباط الأممي للشيوعيين باللامكان المحدد، يحول الأفكارالى ممارسات أممية، لأن اللا أمكنة، ذات الفضاء الكوني الذي يتسع وجودها بالممارسة، لا ترتبط بافكار جزئية أو مرحلية أو مؤقتة، قومية أو دينية، إنها أفكاركونية غائرة بممارساتها بالماضي، وتطل باعناقها على المستقبل، ومشغولة بتثبيت وجودها في الحاضر.
أما إذا جئنا للفضاء الشامل للرواية وهو السماوة، سنجد أن السماوة المشتقة من السماء، مكانًا لامكانياً لأنها المكان الذي جمعت أجزاؤه من مثيولوجيا الرافدين وحضاراتها وتاريخها القديم والحديث، فالسماوة/السماء، فضاءات كونية تربط بين ثنائية الأعلى والأسفل، الآلهة والبشر، فالفضاء الكوني الذي يشمل الأرض والسماء لامكاني، فضاء أممي، مطلق الأزمنة والأمكنة، وكل جزئية فيه هي كلية أيضاً. وسنجد أن الشخصيات التي ارتبطت بمسرود الرواية الفني هي الأخرى تحمل ثيمة اللامكانية واللازمنية، فقد ركز الروائي على أربعة شخصيات رئيسة هي"نجم السماوي، سهيل السماوي، خادم عثرات الأدباء، سارة السماوي، وحائك كلام الرواية. نجم السماوي هو والد سهيل السماوي، وكلاهما نجم من نجوم السماء:"نجم وسهيل". فالأسماء مختارة بدلالتها الفضائية اللامكانية، أما خادم عثرات الأدباء، هو تعبير عن حائك الكلام الذي يصحح مجرى الاحداث ويكون شاهدًا عليها فهو صيغة من صيغ الإله هرمس الذي يوصل المسافة بين البشر على الأرض والآلهة في السماء في الميثيولوجيا اليونانية والإغريقية ولنا مثيله الشيطان أو إبليس في المثيولوجيا الإسلامية. هؤلاء يصلون ما بين السماء والأرض لإغواء البشر ويجيبون عن أسلئة الآلهة وعلى المفسرين أن يؤولوا ما يقولون، ولذلك فخادم العثرات شخصية لامكانية أيضا، شخصية أممية، شأنه شان سهيل السماوي كلي الحضور والغياب، يتلبس ثيمة المهدي الذي يرى باشكال مختلفة ،هنا، أو في الهند مسافراً للعلاج، أو شخصاً يطل عبر الشاشة في العتبة الأخيرة أو لغة غير محددة . أما المؤلف فتتضح هويته في العتبة الأخيرة من الرواية عندما يكون هو وسهيل السماوي والصوت في اللابتوب ومن يكتب الرسائل ومن يجيب عنها، شخصية مركبة من عدة شخصيات تكتب وتروي وتسجن ويطلق سراحها وتؤلف قصة وتتحدث عن التركيب الخاص للسماوة وجذورها وما ارتباطها بالفكر الأممي الأ من قبيل أنها خلقت هكذا كما كانت مدينة السماوة مهداً لحضارات العالم.
*الاستهلال ياسين النصير،