علاء المفرجي
يتناول كتاب الأدب الإسباني في عصره الذهبي، الصادر عن دار المدى بترجمة وإعداد وتقديم محسن الرملي،
فترة الأحداث في إسبانيا التي مازالت تدين بهويتها الثقافية لأدبائها في القرنين السادس والسابع عشر.. حيث تطلق تسمية (العَصر الذهبي) أو (القَرن الذهبي) تحديداً على النصف الثاني من القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن السابع عشر، ويُبرر المختصون هذه التسمية بفضل بروز أدباء كبار ـ في تلك المرحلة ـ لم يسبق وأن ظهر كتاب وشعراء بمستواهم من قبل. ويمضي الدارسون في تصنيفاتهم لتقسيم القرن الذهبي إلى عصرين هما:
(عصر النهضة) و(العصر الباروكي) حيث إلى جانب ازدهار الفنون الأخرى كالرسم والموسيقى وبزوغ حركات فكرية وإنسانية، كان الأدب (شعراً ونثراً) هو في القمة من كل ذلك بحيث ترك أعمالاً رائدة وتأسيسية خالدة لكل ما تلاها من التيارات الأدبية على الصعيدين الإسباني والعالمي، ومازالت هذه الأعمال حاضرة في الواجهات الأولى للمكتبات منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، حيث لا تخلو منها رفوف مكتبة أي قارئ للأدب.. وربما تكفي الإشارة للدلالة على ذلك ذِكرنا لعمل واحد منها، جاء كنتاج لأدب تلك المرحلة، ألا وهو رواية (الدون كيخوته) لميغيل دي ثربانتس.
وإذا كانت قراءتنا لقصائد شعب ما تمنحنا الفرصة للإطلاع على نوعية الذائقة الجمالية واللغوية لذلك الشعب، وتحسسنا لطبيعة مشاعره وهواجسه وأحلامه وصيغ تعبيره عن ردود أفعاله وتصويره لرؤيته لذاته ولأرضه وللآخر، فإن النثر هو الوجه الآخر لهذه العملة الأدبية ـ أو المشهد الثقافي ـ حيث تقدم لنا الأعمال القصصية والمسرحية صورة واسعة عن الأفكار وطبيعة العلاقات الإنسانية وتصف تفاصيل الهموم اليومية والمناخ العام والأحداث التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، تصف لنا طبيعة القيم والسلوكيات والأفراح والأحزان ونوعية الملبس والمأكل وطريقة التحاور.. وبالنهاية ترسم أمامنا بانوراما شاملة تعيننا على فهم تركيبة وتاريخ الذهنية الثقافية لهذا الشعب وبالتالي فهمنا لهويته الحاضرة.
وتأثيرات الحضارة العربية الإسلامية ودورها الريادي في الثقافة والأدب كما يقول مترجم الكتاب: "هي ما سوف نلاحظه بأنفسنا على صعيديّ القصة والشعر عند قراءتنا لهذه المختارات التي بين أيدينا من بداياتهما، حيث نجد في القص ما اعتدنا عليه في كلاسيكيات أدبنا العربي من الحكايات والطرائف والمواقف والأحداث التاريخية والخيال الشعبي والأهداف الوعظية والأخلاقية وقصد المتعة، والتأسيس على معطيات أو شخصيات حقيقية، وطبيعة السرد من حيث التكثيف والحوار وحضور أنا الكاتب والخلاصات التعليمية.. وما إلى ذلك..
وفي الشعر سنجد مواضيع الحب العذري أو الحب الإفلاطوني والغزل والهجاء وقيم الفروسية والرجولة وتضمينه للمواعظ الأخلاقية والدينية. ولن يخفى على القارئ ملامح تأثيرات الشعر العربي في كل هذه الموضوعات، وبشكل خاص موضوعات التصوف والغزل والتغني بالطبيعة التي كان يعج بها الشعر الأندلسي."
يحتوي هذا الكتاب على أربعة أبواب، يمكن اعتبارها كتباً مستقلة أيضاً. قمنا بالتقديم لها جميعها وترجمنا المتون.
الباب الأول: دراسة نقدية تاريخية ثقافية شاملة ومكثفة، ترصد التحولات التي طرأت على الفكر والآداب واللغة الإسبانية في القرنين السادس والسابع عشر ضمن المناخات السياسية والثقافية التي كانت سائدة آنذاك. ويتم التركيز والتعريف بأهم الكتاب والشعراء وبأهم أفكارهم وأعمالهم التي كانت رائدة ومؤسسة لما جاء بعدها.
الباب الثاني: يحتوي على مقدمة وخمسين قصة قصيرة لأربعة عشر كاتباً إسبانياً من العصر الذهبي، حيث قام هؤلاء بالتأسيس الأول للقصة الإسبانية. وتمتاز هذه القصص المختارة بتنوعها على أصعدة الشكل والمضمون فنجد بينها ما يهدف إلى الإمتاع وآخر للتعليم؛ طرائف ومواقف وتاريخ وخرافات وحكمة وغيرها مما يمزج بين الواقع والخيال، بحيث أن قراءتنا لهذه القصص تمنحنا تصوراً كاملاً عن طبيعة المناخ القصصي في تلك المرحلة.
الباب الثالث: هو تقديم ومختارات شعرية تضم أكثر من مائة قصيدة لأربعين شاعراً تقريباً.
الباب الرابع: يضم مقدمة وثلاثة نماذج مسرحية قصيرة لأهم كاتب أنجبته الثقافة الإسبانية في كل عصورها والذي صارت تسمى اللغة الإسبانية باسمه كما تسمى الإنكليزية بلغة شكسبير والإيطالية لغة دانتي والألمانية لغة غوته، ألا وهو ثربانتس: ميغيل دي ثربانتس مؤلف رائعته الخالدة ( دون كيخوته).