جودت هوشيار
« المماشي الداكنة “ عنوان مجموعة قصصية رائعة للكاتب والشاعر الروسي إيفان بونين (1870-1953) الحاصل على جائزة نوبل في الآداب لعام 1933 .
ويطلق النقاد على هذه المجموعة إسم “ موسوعة الحب “ وهي أقاصيص شائقة وممتعة عن الحب التراجيدي ، ذات بناء فني محكم ، وقيمة روحية وجمالية عليا .
كتب بونين هذه القصص بين عامي (1937 - 1944) في باريس ، وهي السنوات التي خيم فيها شبح النازية على أوروبا . كان بونين خلال الحرب العالمية الثانية مختبئاً في جنوبي فرنسا ، ويعاني من ضيق مالي شديد . وفي الليالي الموحشة ، كان يستسلم لذكرياته عما فقده في حياته : الوطن ، الشباب ، الحب ، والأمل . . بطلات هذه القصص سيدات وشابات روسيات ذوات شخصيات متباينة ولكنها جميعا آسرة وساحرة . الحب العارم لا يدوم طويلاً وتنتهي نهاية مأساوية . ولا توجد عند بونين قصة حب واحدة لها نهاية سعيدة ، رغم أنه كرس معظم رواياته وقصصه القصيرة للحب بكل تنويعاته وأشكاله .
نثر فني بلغ درجة الكمال في جمال أسلوبه ورسم عوالم الأعماق في تركيز شعري لا يضارعه فيه كاتب قصصي آخر . عندما تدخل عالم بونين ستُسحرك أجواءه ، فأنت ترى في هذه القصص البديعة : الغابة الروسية ببحيراتها وأشجارها الظليلة ، وتشم رائحة نباتاتها وزهورها ،وتسمع تغريد طيورها ، وترى الشخصيات مجسدة أمامك ، وتحس كم أنت قريب من العالم الذي يرسمه بونين : حب لاهب على ظهر باخرة في عرض نهر الفولغا ، كما في قصة “ ضربة شمس “ أو فتاة مخطوبة لشاب لا تميل اليه وتقضي ليلتها في حديقة المنزل وسط جو صيفي خلّاب لتقرر مصيرها عند انبلاج ضوء الفجر كما في قصة “ الفجر طوال الليل “. وغيرهما كثير . وهو يصور مشاهد الحب ، دون أن ينزلق الى مهاوي الأبتذال ، ويصور الحب كأسمى عاطفة إنسانية ، اذا كان حقيقيا وصادقاً ، رغم نهايته المأساوية غالباً .
_____
ملاحظة : ترجم البعض عنوان هذه المجموعة القصصية الى “ الدروب الظليلة “ وهو عنوان شاعري جميل ، ولكنه غير دقيق . وقد قال بونين إنه اقتبس عنوان هذه المجموعة من السطر الأول من قصيدة الشاعر الروسي نيكولاي أوغاريف الموسومة “ حكاية عادية «