TOP

جريدة المدى > عام > شجاع العاني: النقد فقد جمهوره وبات كالشعر الحديث للنخبة

شجاع العاني: النقد فقد جمهوره وبات كالشعر الحديث للنخبة

نشر في: 22 فبراير, 2021: 09:40 م

يرى أن كل القراءات والمرجعيات إذا لم يدعمها ذكاء خاص لا تكوَّن ناقداً

حاوره: علاء المفرجي

ولِد الناقد والأكاديمي شجاع العاني في القائم في الأنبار 1940 وعمل في التعليم منذ 1963 ثم انتقل الى الخدمة في جامعة البصرة. قال العاني عن نفسه في أحد احتفاءات التكريم به:

"ولدت في حجيم نيسابور في مدينة القائم المدينة الصغيرة الواقعة على الحدود العراقية السورية، نشأت من مهاجرين نزحوا من مناطق أخرى، بينها "عنه" و"هيت" وذلك لوجود العمل التجاري، وماتزال إلى اليوم هذه الخصائص فيها، وكان بعض الموظفين الذين يأتون إليها من مدن أخرى يقدمون على الانتحار، بسبب الضجر، بالرغم من قربها من حدود مدينة "البوكمال" التي تبعد خمس دقائق بالسيارة، وهذا يخفف الضجرمنها، لكن هذا أمر غريب، فمدينة البوكمال متقدمة على قضاء القائم بأشواط، كنت أذهب إلى البوكمال في عام 1958 إلى السينما، بينما القائم لحد هذا اليوم لا يوجد فيها دار سينما وأضاف: أول ثلاثية حصل عليها لنجيب محفوظ في منتصف الخمسينيات عندما انتقل مع عائلته من عنه إلى القائم.

ويضيف : نشأت في الصحراء لكن ما الذي دفعني إلى الأدب، تلك مسألة تفسيرها صعب، لكني أذكر شيئاً، كنت منذ طفولتي عليلاً، وظلت بنيتي سقيمة إلى يومنا هذا، لذلك لم أشارك أقراني في اللعب واللهو، وعندما وصلت إلى سن البلوغ، كنت أجلس في المقهى وأقرأ بينما أقراني يلعبون، حتى صرت موضع سخريتهم وتندّرهم، وأحياناً يتصور بعض الناس أنني مجنون، ويظن آخرون أنني اقرأ كي أكون "متصرفاً" أو غير ذلك" ويواصل العاني حديثه ويقول "لم أنجح في أن أكون شاعراً أو قاصاً لذلك اخترت النقد، وكانت عندي محاولات نشرت منها خمس قصص ولكني عرفت أني لا أقدر أن أنافس قصاصين كبار في البلاد العربية، فرحّلتُ نفسي إلى النقد".

له من المؤلفات: المرأة في القصة العراقية 1972، الرواية العربية والحضارة الأوروبية 1979، في أدبنا القصصي المعاصر 1989 ، البناء الفني في الرواية العربية في العراق بناء السرد 1994. البناء الفني في الرواية العربية/ الوصف وبناء المكان، قراءات في الأدب والنقد 2000.

كما نشر عشرات المقالات في الصحف والمجلات العراقية، وأشرف على العشرات من طلبة الماجستير والدكتوراه.

*نبدأ بسؤال لابد منه، عن أهم مرجعياتك في مجال الأدب ؟ و هل يمكننا التعرّف على المصبات الحياتية والفكرية التي رفدت هذه التجربة النقدية الثرّة المتميزة للدكتور شجاع العاني التي لها كل هذا الامتداد التاريخي والعمق المتفرد والتأثير المتجدد؟

- بصدد مرجعياتي في الأدب والنقد لا اتذكر أنني خضت لقراءة منهجية منظمة للأدباء والنقّاد، لكني وأنا قادم من مدينة فقيرة فكراً وثقافة هي قضاء القائم، وجدت نفسي وأنا طالب في كلية الآداب أقرأ كل ما يقع في يدي مع أنني كنت منحازاً للأدب والنقد اليساري مقدماً وهكذا كان لوكاش وغارودي وغيرهما من النقاد اليساريين، في مقدمة من أثروا في تفكيري في البداية ثم كان للنقاد المصريين تأثيرهم أيضاً ، وخاصة بعض أفراد الجيل الثالث أو الرابع مثل الناقد الذكي شكري عياد ومحسن طه بدر فضلاً عن مؤثرات من الأجيال السابقة لطه حسين و.محمد مندور والنويهي وفي هذه المرحلة كان الأدب الروسي خير غذاء روحي لي وأتذكر المتعة العظيمة التي لقيتها ذات شتاء في القائم وأنا أقرأ في كل ليلة صفحات من (الدون الهادئ) لشولوخوف، كما كان أنطون تشيخوف وقصصه القصيرة من أوائل المؤثرين في تكويني الثقافي.

في الثمانينيات هبت علينا رياح جديدة في النقد، فكانت البنيوية وما بعدها واعتقد أن لجامعة البصرة وكلية الآداب فضل كبير في تنشئتي الثقافيةعلى هذه الحقيقة ، إذ كان لنظام المقررات أثر كبير في التهامي للكتب ، إذ كان علي أن أعد نفسي لموضوع جديد في كل فصل، هكذا بلغ عدد المقررات التي درستها خمسة عشر مقرراً. والغريب أنني فهمت البنيوية من خلال ناقد انكليزي هوتيري ايغلتن صاحب كتاب مقدمة في نظرية الأدب، بالاضافة الى مراجعة أخرى ساعدت في أن أكون عاملاً مهماً في تحديث دراسة الأدب والنقد في جامعة البصرة ثم جامعة بغداد فيما بعد.

علماً أني اعتقد إن كل القراءات والمرجعيات إذا لم يدعمها ذكاء خاص، لا تكوَن ناقداً، وأذكر كمثال أن التكرلي زار بغداد بعد عام 2000 وكنت أحد المتحدثين في الندوة عنه، وقلت إن بطل قصة (الطريق الى المدينة) ليس عاجزاً كما يعتقد بعض النقاد ، ولكن الطريق الى المدينة هو الطريق الى الحضارة وبطل القصة لم يعد قادراً على القتل بعد أن صهرته الحضارة، فعلق التكرلي: والله عجيب، بعد خمسين سنة على كتابتها يأتي ناقد يفهم دلالة القصة.

فمرجعيات النقد في العراق متعددة، ومختلفة بحسب الحقب، وفي العموم فإن مرجعيات الناقد العراقي، مرجعيات غير مباشرة، أعني، بأن ما يصدر في مصر ولبنان في الخمسينيات والستينيات عن النقاد المصريين واللبنانيين. وفي الثمانينيات انتقل المركز الى بلاد المغرب العربي، وبخاصة المغرب وتونس، وفي النقد الشكلاني كان النقد الانجليزي والأميركي أو ما سمي بالنقد الارسطوطاليسي أو الجديد في الثلاثينيات والاربعينيات هو المصدر للعرب عموماً وكان مصدراً مهماً لكتاب الشاعرة الناقدة نازك الملائكة.

ثم مع ترجمة الشكلانيين الروس في الثمانينيات بدأ النقد العربي عموماً يتأثر بهذا المرجع، أما النقد الاجتماعي فكانت مصادره هاوزر وفيشر ولوكاش وأخيراً غولدمان وما سمي بالبنيوية التكوينية.

*ما الذي برأيك يعيق تطور المنهج النقدي في المجتمعات العربية ، ، فقد ظهر في العالم العربي والعراق نقادٌ نحتوا في الصخر ليمهدوا الطريق لأجيال أخرى - وأنت منهم بالطبع - ؟ هل أن للظروف الاجتماعية التي سادت سنوات طويلة علاقة بالموضوع؟

- النقد نشاط علمي بدرجة أولى، برغم أن الفن يشاركه هذا النشاط في زاوية معنية منه، والمجتمعات العربية ما تزال بعيدة عن المناخات العلمية وهي مجتمعات تحكمها أحزاب توليتارية تارة وعشائر وقبائل تارة أخرى، ويجب أن لا نضع في حسابنا الناقد حسب، بل والمتلقي أيضاً وبالتأكيد، إن المركب الاجتماعي والثقافي والسياسي لا يسمح بقيام مناهج علمية صرفة وموضوعية وفي درسنا الأدبي والنقدي ، ثمة دائماً ممنوعات وما كان ممنوعاً بالأمس أصبح اليوم مستساغاً ونشأت ممنوعات أخرى.

*صنفت الرواية تصنيفاً أسلوبياً، وأيضاً اعتمدت المعيار الاجتماعي والفلسفي بتصنيفك للرواية (اجتماعية قديمة)، و (درامية جديدة). كما حصل في رواية (جلال خالد) التي توصلت من خلال دراستها أخيراً كونها رواية تنشئة فكرية؟.

هي رواية تنشئة فكرية من حيث المضمون، وهي رواية درامية من حيث أسلوبها وقد تأثر محمود السيد بالمسرحية في كتابتها، وهو أحياناً يستخدم المشخصات المسرحية بالنسبة للمكان والزمان، والسيد ليس الوحيد في هذا ، بل إن سليمان فيض استخدم هذا الأسلوب في روايته ومسرحيته ) الرواية الايقاظية 1919 ومصطلح الرواية ظل يطلق على المسرحية والفيلم السينمائي حتى منتصف الخمسينيات.

*وكان لك الفضل في صياغة جمهرة من المصطلحات مردفة بمفاهيم نظرية رصينة عدها بعض الباحثين جهازاً مفاهيمياً وقاموساً اصطلاحياً خاصين بالناقد شجاع العاني ، وهي تنم عن الشجاعة والاقتدار ، ولكن هل تحقق لها الثبات والرسوخ في المشهد الإبداعي عامة، والنقدي خاصة وهل استطاعت إحداث التغيير المتوخى منها؟

- في كتابي (البناء الفني في الرواية العربية في العراق) وفي كتبي الأخرى، وجدت نفسي مضطراً أحياناً لاطلاق مصطلحات أو تعديل أخرى، وعلى سبيل المثال يطلق أصحاب النظرية الأدبية على نمط من السرد مصطلح (المكرر) مع أن هذا السرد قد يكون مكرراً حرفياً أو معاداً من وجهات نظر متعددة، فرأيت أن الأصوب أن نطلق مصطلح متعدد عندما يتعدد السرد بتعدد وجهات النظر ومكرر عندما يتكرر حرفياً ومن وجهة نظر شخصية واحدة، أو ساردٍ واحد.

كما نمت مصطلحات خاصة بالسرد كالسرد الأفقي والمنحني واللولبي والسمفوني الشبيه في بنائه ببناء السمفونية.

وقد أجد بعض هذه المصطلحات تتكرر لدى بعض النقّاد ، لكن هذا لا يعني أن ما اجترحه من مصطلحات ومفاهيم قد سادت النقد العراقي لأسباب أن الناقد العراقي يفضل مرجعيات غربية على النقد المحلي، كما أن العوامل التي تعيق ظهور مناهج دقيقة في النقد تقف وراء تصنيف النقاد والأدباء ودرجة رواجهم وتلقيهم لدى القرّاء.

إلا أن أكثر من دراسة أكاديمية للدكتوراه والماجستير أشارت الى هذه المصطلحات والمفاهيم إيجاباً أو سلباً.

*من المصطلحات التي كنت سبّاقاً في طرحها "القصة النسوية" منذ بواكير تجربتك النقدية يوم لم يكن هذا معروفاً في النقد العربي لااصطلاحاً ولا مفهوماً ، هل توصلت إليه من خلال وقوفك على مميزات خاصة بقصة تكتبها القاصة عن أخرى يكتبها القاص وما صلة هذا بما يُطرح الآن وبقوة عن خصوصية الأدب النسوي ؟

- القصة النسوية في الثمانينيات كُتبت عن القصة النسوية ولم أكن أعني بالمصطلح ما يعنيه اليوم من آليات ومفاهيم تحاول مساواة المرأة بالرجل وتناضل ضد المجتمع الذكوري، فقد وجدت في قصص عدد من النساء (آنذاك) سمات مشتركة أولها إن موضوع النبذ أو الإحساس بالوحدة هو مشترك عند كل الكتابات كما أن الحوار المونولوجي عندهم أوضح منه في كتابة الذكور.

أما اليوم فالقصة النسوية والأدب النسوي يمتلك خصائص لغوية وأسلوبية تميزه عن الأدب الذكوري كأن تجد الأنثى أن مرحلة ما قبل عقدة أوديب حيث يستوي الذكر والأنثى يستخدم لأطفال أو نستخدم معهم الاستعارة فتلجأ المرأة الكاتبة الى الاستعارة أكثر من الكناية لأنها تسوي بين الذكر والأنثى.

الكتابة النسوية الآن تدعمها جبهة نسوية عالمية تسعى لتحرير المرأة مما تفرضه عليها المجتمعات الذكورية والأبوية.

*المجاورة والانقطاع بنية تغلغلت في مجمل بحوث كتابك (قراءات في الأدب والنقد) وهي رؤية انفتاحية استطعت أن تفحص بها لا النصوص الأدبية فقط بل والأعمال الفنية في السينما والتشكيل ورأيتها مناسبة جداً في قراءة الإبداع العربي انطلاقاً من كون الانقطاع من موروثات الإبداع العربي بدءاً من الشعر وانتهاءً بالقرآن الكريم ؟ .

- في المصطلح البلاغي القديم يدعى الفصل والوصل ، وقد سمي حديثاً بالانقطاع بعد أن طوّره شعراء محدثون، ربما أفادوا من السينما في هذا المجال، والانقطاع يعني في أبسط معانيه وجود وجود حروف عطف لكنها لا تعمل وقد دُهش (جان كوهن) مؤلف (بنية اللغة الشعرية) لمقطوع من الشعر العربي الصوفي، ولكنه لو قرأ القرآن لذُهل للانقطاع الذي فيه، والمسافة البعيدة بين المعطوف والمعطوف عليه، وحسبنا أن نشير الى الآية الكريمة (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج، ولا تدخلوا البيوت من ظهورها...) فليس ثمة مشاركة بين جملة ولا تأتوا وجملة يسألونك، لكن بعض الأسلوبيين المحدثين وجدوا فيها ما يدل على عطف المكان على الزمان وسوغوه بأن الزمان حادث بسبب المكان كدوران الأرض حول الشمس وحول نفسها ...الخ.

وإذا كان الانقطاع موجوداً بكثافة في القرآن، فهو بالتأكيد موجود في الأدب العربي والشعر العربي القديم، إلا أن الشارع الحديث طوّر هذه الصنعة بالإفادة من فنون أخرى كالسينما.

*مدى ارتكاز نقدنا العربي على منجزات مرحلة النهضة الادبية وهل ثمة تجاوز لمعطيات الرعيل الاول ومابعده: طه حسين ومندورومجاهد عبد المنعم مجاهد وشكري عياد وعلي جواد الطاهر ونهاد التكرلي .؟

- من المؤكد أن النقد العربي حقق إنجازات على طريق الحداثة وأضاف الى ما أنجزه الرعيل الأول من رواد النقد الأدبي الحديث ولكن المؤسف أن النقد فقد جمهوره المتلقي وبات كالشعر الحديث جمهوره متخصص وعلى عدد أصابع اليد، لأن الناقد أهمل وظيفته في التفسير وتقريب العمل الفني من القارئ والمتلقي.

*النقد العربي عموماً يتكئ على النقد الغربي وثمة دعوات ملحاحة الى الاستقلالية والتفرد ,بل هناك دعوات لصياغة نظرية نقدية عربية فهل بالإمكان تحقق مثل هذه النظرية ومدى ضرورة ذلك للنقد والإبداع العربيين؟

- قلنا إن النقد نشاط علمي وهو عالمي الطابع شأنه شأن أي علم آخر ولدينا نحن العرب تراث نقدي في الشعر والقصيدة الغنائية، لكننا نفتقر الى (علم النقد) في الأجناس الموضوعية كالقصة والمسرحية وهو ما استوردناه من الغرب ونحن اليوم جزء من هذه القرية الكبيرة ولا يمكن أن ننعزل وننفرد بشيء ، لكن يمكن أن نحقق المحلية لا عن طريق نظريات عربية، بل يكفي أن يكون لدينا مدرسة عربية في أي نظرية عالمية للنقد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: تصنيف الأعمال الموسيقية

انتقائية باختين والثقافة الشعبية

فوز الصيني جياكونجياكون بجائزة نوبل للعمارة (بريتسكر)

الجندي الأمريكي والحرب

سحر محمول أغنية حب للكتاب.. من فجر التاريخ حتى ببليوغرافيا هتلر

مقالات ذات صلة

متعةُ وكشوفٌ لاتضاهى في قراءة الأعمال الكلاسيكية
عام

متعةُ وكشوفٌ لاتضاهى في قراءة الأعمال الكلاسيكية

لطفية الدليمي ربما تكون جائزة البوكر العالمية للرواية هي الجائزة الأعلى مقاماً بين الجوائز الروائية التي نعرف، ولعلّ من فضائلها أنّها الوسيلةُ غير المصرّح بها لتعريف القارئ العالمي بما يُفتّرّضُ فيه أن يكون نتاجاً...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram