TOP

جريدة المدى > عام > النَّرجسي بين التعرية والعلاج

النَّرجسي بين التعرية والعلاج

نشر في: 27 فبراير, 2021: 08:16 م

موج يوسف

كتاب ( تعرية النَّرجسي التعايش والديمومة مع المستغرق بذاته)، تأليف ويندي بيهاري وترجمة : محمد السعدي الصادر عن دار المدى 2020 .

يعطينا حلولاً ، ويمدنا بأفكارٍ تتمحور حول كيفية التعامل مع الشخص النَّرجسي. المؤلفة هي باحثة وبروفسور في مجال علم النفس ( علم البيولوجيا العصبية الشخصية الروابط بين العلاقات والدماغ). فبعد عقدين من عملها التطبيقي في معالجة الأشخاص النرجسيين ألفتْ هذه الدراسة وميزتها: إنها أعطتْ الحلولَ لعلاج هذه المتلازمة مع عرض تشخيصي لكلِّ حالة . وقد يُصدم القارئ بإنَّ د. ويندي تروّج للتساهل مع النرجسي ، لكنّ الأمر لا يبدو كذلك فهي زاوّجت بالعلاج بين جرعتي ( الحدّة والتعاطف) .

ولأهمية الموضوعة سنبيّن مَن النرجسيين؟ هم أشخاصٌ انغمسوا في حبِّ ذواتهم ، وانشغلوا في الوصول للصورة المثالية (التقدير أو المنزلة الرفيعة وإثارة الحسد) ، غالباً هؤلاء الأشخاص يكونوا موهوبين أو أصحاب المناصب العليا بكافة المستويات الاجتماعية والسياسية وحتى الثقافيّة ـــــ سنبينهم لاحقاً ـــ وتشير المؤلفة أن نسبة النرجسية عند الرجال أكثر من النساء ، لكنّها لم تعطِ السبب في ذلك ، وفيما يبدو لنا إن الرجال أكثر قدرة على التحكم بمشاعرهم ومنهم من يستطيع إخفائها فضلاً عن توليهم قيادة مناصب كبرى فمن الطبيعي أن تسيطر عليهم هذه المتلازمة . تعزى أصول النرجسية إلى الينابيع الأولى كما وضحتها ويندي ( الطفولة) والتي يكون الطفل فيها أما مدلل أو إتكالي أو الوحيد المحروم فتنشأ معه هذه العقدة . وأن شخصنا حالة شريكنا أو صديقنا او ... النرجسي من طفولته التي عاشها نستطيع معالجته . وهناك أقنعة يرتديها وهي الأكثر شيوعاً وقد صنفتها ويندي هي ( المتنمر أو المتباهي أو الفوقي أو مدمن على المواساة) ومعالجة هذه الأقنعة في الفصل الخامس من الكتاب . النّساءُ كان لهنْ حظاً من النرجسية إذ تظهر المرأة النرجسية سيّدة فاتنة تُسحرك بمشيتها المتمايلة أو تظهر بقناع المضحية التي تردّد خطاباً يتلخّص بعبارة( أنا معينة للجميع) وهي غارقة في اعتبار نفسها شهيدة. والأخطر من هذا الأمهات النرجسيات فتذكر المؤلفة ((يصبح الأكثر صعوبة لو كانت هذه السيدة النرجسية والدتك)) ص57 . والخطورة تكمن في كونها تسعى لإنجاب أطفالاً يمثلون بوجودهم ملحقات ضرورية للنجاح على الصعدين الاجتماعي والأكاديمي . ولأنَّ المؤلفة ويندي تناولت مجتمعها الغربي وتطبيق الحالات على أشخاص معينين ، فإننا سنقوم بتطبيق هذه الحالات على مجتمعنا الشرقي ، فظاهرة النساء النرجسيات اللآتي يحرصن على الإنجاب وتحديداً إنجاب الذكور فنجدها ترتدي قناع التنمر على السيدة الأخرى التي تنجب إناثاً وكأن الأخيرة هي خطيئة مع إناثها ، وهذا ترسب قديم لم يستطع حتى الإسلام من تهذيبه أو تصحيه ، والحالة الأخرى المرأة الفوقية التي تظهر للعيان ببرنامج اجتماعي أو ثقافي ، فتُسأل عن عدد الذين أحبّوها وتجيب( كثر ولا استطيع عدهم ) ـــ رصدتها أثناء متابعتي للبرامج ـــــ وعودة إلى الرجال النرجسيين وأولهم المتباهي ، فهذا الشخص له حضور كبير في المجتمع وسنسلط الضوء على التعليم فالأكاديمية لا تخلو من أستاذة في محاضراتهم ينسون المادة العلمية وسرد المعلومات ويركزون على منجزهم وتاريخهم وأكثر عبارة يسمعها الطالب من أساتذته ( أنا كنت.. ولا مثيل يأتي بعدي ، هل رأيتم كم محاضرتي عظيمة) وعلاج المتباهي هو القول ( إننا نقدر بما قمت به من أجلنا وستظل المعلومات رفيقة لنا ولا ننسى هذي الجهود) من دون أن نبالغ معه في العظمة التي صنعها لنفسه . أما المتنمر الذي إذا عدنا (( بالنظر إلى تاريخه ـــ فنجده يمتلئ ـــ بالفراغات العاطفية وإحساسه العميق بالعار والقصور يحمي نفسه من خلال الانتقادات والسيطرة على الآخرين)) ص144 .فإذا كان قريب منا متنمراً فتكون الإجابة على تنمره(( لا اعتقد أنك قصدت إيذائي ، إلا أن أسلوبك في بعض الأحيان مغالٍ في الإنتقاد وهذا ليس مزعجاً فحسب بل لا يفيد بشيء)) ص 144 . الفوقي تقول الباحثة(( عليك أن تدرك عند التعامل مع الفوقي أن تتعامل مع شخصية تشعر بأنها تستطيع وضع قواعدها الخاصة وبأنها يجب أن تكون قادرة على إمتلاك ما ترغب به وقتما تشاء)) ص 145 . وقد يعود قارئ هذي السطور إلى ذاكرته ويتصفح عدد الأشخاص الذين قابلهم من هذه النوع ، وأحياناً يفضحهم خطابهم المكتوب والمقروء ، فعند قراءتي لبعض المقالات قرأت أن أحد الباحثين تناول إشكالية مصطلح ثقافي وريادة التسمية لمن فلم يذكر اسم الباحث الذي كانت له ريادة بتأسيسه أو تسميته ـــ ربما لعدم إطلاعه ــــ فكتب الآخر رداً على مقالاته بخطاب يحمل فوقية وتعالٍ وقد ذكرَ للقارئ جميع مؤلفاته شارحاً كل مؤلف بعظمة الإنجاز وبأنه (( وقف كثير عند التعسف وليّ عنق المعنى)) المقال منشور بصحيفة الصباح بعدد 41527 وغيرها من الخطابات الإنشائية التي تظهر حجم الفوقية ويمكن الردّ على هذه المواقف بالقول : أعلم أنك معتادٌ على تولي زمام المسوؤلية وتنفيذ الأمور على طريقتك والشعور بالفخر لكن من غير المقبول أن تتناسى حقوق ومشاعر الأخرين . وأخر قناع نرجسي و مواساة النفس وبحسب تشخيص المؤلفة(( عليك أن تدرك عند التعامل مع المدمن على مواساة النفس إنك تتعامل مع شخص يمر بحالة من التهرب من التجاهل . فقد يستغرق في إدمان العمل أو الشراب أو الإنفاق المفرط أو تصفح الإنترنت بشراهة )) 146 .وهذه الحالة كثير ما تشكو منها الزوجات مع أزواجهن فتنصح ويندي بمواجهته بشكل مدروس والقول له(( أعلم مدى أهمية عملك وأقدر الأمان المالي و... ولكنني أشتاق إليك ويصعب عليّ الجلوس والإكتفاء بمشاهدتك من دون مشاركتك بمخاوفي وشعوري بفقدانك)) ص 147 . النرجسي قد يكون قابع في ذاتنا ليس في الآخر فقط ومثل هكذا دراسات نافعة للتخلص من هذه الصفة السامة اجتماعياً .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

أوس الخفاجي: إيران سمحت باستهداف نصر الله وسقوط سوريا

عقوبات قانونية "مشددة" لمنع الاعتداء على الأطباء.. غياب الرادع يفاقم المآسي

مدير الكمارك السابق يخرج عن صمته: دخلاء على مهنة الصحافة يحاولون النيل مني

هزة أرضية جنوب أربيل

مسعود بارزاني يوجه رسالة إلى الحكومة السورية الجديدة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram