TOP

جريدة المدى > عام > خــروشــوف والأدب الــروســي

خــروشــوف والأدب الــروســي

نشر في: 1 مارس, 2021: 09:39 م

أ.د. ضياء نافع

نيكيتا خروشوف ( 1894 - 1971) هو الزعيم الثالث , الذي برز في تاريخ الاتحاد السوفيتي بعد لينين ( الذي حكم منذ ثورة اكتوبر عام 1917 الى عام1924) ,

وستالين ( الذي حكم من عام 1924الى عام1953) , أما خروشوف فقد حكم من 1954الى 1964 , ولكنه لم يحصل على مكانتهما في ( قلوب!) الشعوب السوفيتية , على الأقل من الناحية الشكلية العامة ( لا يوجد مثلاً أي تمثال له , أو مؤسسة أو شارع يحمل اسمه

وهذه ظاهرة غريبة مقارنة بلينين وستالين في روسيا!) , رغم أن اسم خروشوف ارتبط بتغيّرات جوهرية هائلة جداً في مسيرة الاتحاد السوفيتي والمكانة العالمية لتلك الدولة الكبرى وحتى بشأن مستقبلها , وما زلت اتذكر النكتة التي رواها لي أحد الطلبة الروس في جامعة موسكو أيام حكم خروشوف وهو يوصيني بكتمانها لخطورتها , والنكتة تقول , إن أحدهم قال في المترو , إنه يعرف شخصاً في الحكومة يشبه الخنزير , فاعتقله رجال الأمن السوفيتي رأساً , وسألوه في مركزهم عن هذا الشخص في الحكومة الذي يشبه الخنزير , فقال لهم إنه تشرشل في الحكومة الانكليزية , فاعتذروا منه واطلقوا سراحه رأساً, وودّعوه الى باب الخروج وهم يعتذرون منه , وعندما أصبح في الشارع التفت نحوهم و قال , إنه يعرف ذاك الشخص ( الذي كنتم تظنون أني اقصده في كلامي!). .

كل زعيم من هؤلاء السياسيين السوفيت الكبار كان له تأثيره و بصماته ( إن صحّ التعبير) على مسيرة الأدب الروسي ومصائر الأدباء أثناء فترة حكمه في دولة الحزب الواحد وفلسفتها. (بصمات!) لينين وستالين معروفة - بشكل أو بآخر- على الأدب الروسي بالنسبة للقارئ العربي, وقد كتب عنها الباحثون العرب وما زالوا يكتبون هنا وهناك , وكل واحد من هؤلاء الباحثين ينطلق من موقفه الفكري و السياسي طبعاً وبعيداً عن الموضوعية بالأساس مع الأسف, (وليس الحديث عن ذلك هدفنا هنا ) , لكن ( بصمات!) خروشوف مازالت شبه مجهولة في هذا المجال , رغم أن اسمه ارتبط بمرحلة ( ذوبان الجليد ) المعروفة والمهمة جداً في تاريخ الأدب الروسي , وهذا ما نحاول الحديث عنه هنا بايجاز شديد ( فالموضوع واسع جداً ) , ونحاول الإشارة الى أبرز الأدباء آنذاك ومواقف خروشوف تجاههم .

يجب القول قبل كل شيء , إن خروشوف كان بعيداً جداً عن أجواء الثقافة والفنون مقارنة بلينين وستالين ( والأمور كلها نسبية طبعا!), بعيداً لدرجة أن البروفيسور كورميلوف ( أستاذ تاريخ النقد الأدبي الروسي في القرنين العشرين والحادي والعشرين في جامعة موسكو ) كتب في عام 2018 بحثاً في مجلة زناميا ( وهي مجلة شهرية مهمة صدرت في موسكوعام 1931 ومازالت مستمرة بالصدور لحد الآن) بعنوان – ( نيكيتا خروشوف كناقد أدبي ) , وأشار في بدايه بحثه , الى أن خروشوف ( أكثر الزعماء السوفيت أُميّة , إذ أنه أنهى فقط المدرسة الابتدائية ليس إلا) , وهناك من يرى , أن هذه الشيء ليس مهماً جداً , أو هو - في الكثير من الحالات – ليس العامل الحاسم في تاريخ الزعماء السياسيين ومسيرتهم , ولكن الرأي الآخر حول هذا الجانب يشير الى حوادث معينة في تاريخ حياة خروشوف , منها مثلا استخدامه للحذاء في جلسة الامم المتحدة , وهي حادثة معروفة عالمياً ( وقد أشار إليها حتى بيان عزله آنذاك ) , أو ما قاله مرة للنحات والفنان التشكيلي السوفيتي نيئزفيستني حول بعض لوحاته الفنية , وأمام الجميع , بما فيهم مندوبو وسائل الإعلام المختلفة , بان ذيل الحمار الملطّخ بالألوان يمكن أن يرسم أيضاً مثل هذه اللوحات , ( انظر مقالتنا بعنوان – خروشوف والفنان نيئزفيستني ) , ويؤكد أصحاب هذا الرأي , إن هذه التصرفات وغيرها هي انعكاس واقعي جداً لتلك الامّية التي كان يتميّز بها خروشوف.

الأحداث الكبيرة في مسيرة الأدب الروسي أثناء حكم خروشوف كانت ترتبط بعدة اسماء , وأبرزهم – باسترناك وسولجينيتسن , وعلاقة خروشوف بكل اسم منهما يتطلب مقالة مستقلة بحد ذاتها , ولهذا فأننا نحاول هنا الاشارة إليها فقط . حاز باسترناك على جائزة نوبل للآداب عام 1958 . لم تسمح السلطة السوفيتية بقيادة خروشوف أن يستلم باسترناك تلك الجائزة كما هو معروف , واعتبرتها عملاً سياسياً مضاداً للدولة السوفيتية , وقد اضطر باسترناك ان يرفضها . خروشوف لم يتحدث شخصياً عن كل ذلك , ولكنه قال في مذكراته ( التي كتبها بعد عزله عن السلطة) , إنه لم يكن مطلعاً على رواية باسترناك آنذاك , وإنه يجدها الآن غير مضادة !!!

سولجينيتسن خرج من السجن بعد حملة خروشوف ضد الاضطهاد الستاليني, وأرسل روايته القصيرة ( يوم واحد في حياة ايفان دينيسيفتش) الى مجلة (نوفي مير) , والرواية عن تلك السجون والمعتقلات السوفيتية أيام ستالين, ولم يتجاسر رئيس تحرير المجلة أن ينشرها , فذهب بها الى خروشوف , والذي وجدها ملائمة جداً لحملته ضد ستالين , ووافق على نشرها شخصياً , وهي الخطوة الاولى لسولجينيتسن نحو العالمية , بما فيها جائزة نوبل للآداب طبعاً .

دراسة موقف خروشوف من الأدب الروسي والأدباء الروس يمكن أن ترسم لنا صورة واقعية و حقيقية ومتكاملة و واضحة المعالم لمسيرة دولة الحزب الحاكم الواحد – بغض النظر عن أي نظام سائد في الدولة - وتأثير الرجل الأول على مجمل حياة شعوب تلك البلدان ومصيرها ومستقبلها . ومثل هذه الدراسات التفصيلية تعني طبعا , من جملة ما تعنيه , اطلاع الشعوب الأخرى على حقيقة ما حدث في تلك البلدان , وأخذ ذلك بنظر الاعتبار...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

أوس الخفاجي: إيران سمحت باستهداف نصر الله وسقوط سوريا

عقوبات قانونية "مشددة" لمنع الاعتداء على الأطباء.. غياب الرادع يفاقم المآسي

مدير الكمارك السابق يخرج عن صمته: دخلاء على مهنة الصحافة يحاولون النيل مني

هزة أرضية جنوب أربيل

مسعود بارزاني يوجه رسالة إلى الحكومة السورية الجديدة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram